responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة نویسنده : ابن القيم    جلد : 1  صفحه : 245
الطيران فَإِنَّهُ لَو كَانَ مِمَّا يحمل وَيمْكث حمله فِي جَوْفه حَتَّى يستحكم ويثقل لأثقله وعاقه عَن النهوض والطيران وَتَأمل الْحِكْمَة فِي كَون الطَّائِر الْمُرْسل السائح فِي الجو يلهم صَبر نَفسه اسبوعا اَوْ اسبوعين بِاخْتِيَارِهِ قَاعِدا على بيضه حاضنا لَهُ وَيحْتَمل مشقة الْحَبْس ثمَّ إِذا خرج فِرَاخه تحمل مشقة الْكسْب وَجمع الْحبّ فِي حوصلته وبزق فِرَاخه وَلَيْسَ بِذِي روية وَلَا فكرة فِي عَاقِبَة امْرَهْ وَلَا يؤمل فِي فِرَاخه مَا يؤمل الانسان فِي وَلَده من العون والرفد وَبَقَاء الذّكر فَهَذَا من فعله يشْهد بِأَنَّهُ مَعْطُوف على فِرَاخه لعِلَّة لَا يعلمهَا هُوَ وَلَا يفكر فِيهَا من دوَام النَّسْل وبقائه
فصل ثمَّ تَأمل خلقَة الْبَيْضَة وَمَا فِيهَا من المخ الاصفر الخاثر وَالْمَاء
الابيض الرَّقِيق فبعضه ينشأ مِنْهُ الفرخ وَبَعضه يغتذى مِنْهُ إِلَى ان يخرج من الْبَيْضَة وَمَا فِي ذَلِك من الْحِكْمَة فَإِنَّهُ لما كَانَ نشو الفرخ فِي تِلْكَ الْبشرَة المنخفضة الَّتِي لَا نَفاذ فِيهَا للواصل من خَارج جعل مَعَه فِي جَوف الْبَيْضَة من الْغذَاء مَا يَكْتَفِي بِهِ الى خُرُوجه
فصل وَتَأمل الْحِكْمَة فِي حوصلة الطَّائِر وَمَا قدرت لَهُ فَإِن فِي مَسْلَك الطَّعَام
الى القابضة ضيق لَا ينفذ فِيهِ الطَّعَام إِلَّا قَلِيلا فَلَو كَانَ الطَّائِر لَا يلتقط حَبَّة ثَانِيَة حَتَّى تصل الاولى الى جَوْفه لطال ذَلِك عَلَيْهِ فَمَتَى كَانَ يَسْتَوْفِي طَعَامه وَإِنَّمَا يختلسه اختلاسا لشدَّة الحذر فَجعلت لَهُ الحوصلة كالمخلاة الْمُعَلقَة امامه ليوعى فِيهَا مَا ازدرد من الطّعْم بِسُرْعَة ثمَّ ينْقل الى القابضة على مهل وَفِي الحوصلة ايضا خصْلَة اخرى فَإِن من الطير مَا يحْتَاج الى ان يزق فِرَاخه فَيكون رده الطّعْم من قرب ليسهل عَلَيْهِ
فصل ثمَّ تَأمل هَذِه الالوان والاصباغ والوشى الَّتِي ترَاهَا فِي كثير من
الطير كالطاووس والدراج وَغَيرهمَا الَّتِي لَو خطت بدقيق الاقلام ووشيت بالايدي لم يكن هَذَا فَمن ايْنَ فِي الطبيعة الْمُجَرَّدَة هَذَا التشكيل والتخطيط والتلوين والصبغ العجيب الْبَسِيط والمركب الَّذِي لَو اجْتمعت الخليقة على ان يحاكوه لتعذر عَلَيْهِم فَتَأمل ريش الطاووس كَيفَ هُوَ فَإنَّك ترَاهُ كنسج الثَّوْب الرفيع من خيوط رفاع جدا قد ألف بَعْضهَا الى بعض كتأليف الْخَيط الى الْخَيط بل الشعرة الى الشعرة ثمَّ ترى النسج إِذا مددته ينفتح قَلِيلا قَلِيلا وَلَا ينشق ليتداخله الْهَوَاء فينقل الطَّائِر إِذا طَار فترى فِي وسط الريشة عمودا غليظا متينا قد نسج عَلَيْهِ ذَلِك الثَّوْب الَّتِي كَهَيئَةِ الشّعْر

نام کتاب : مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة نویسنده : ابن القيم    جلد : 1  صفحه : 245
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست