يعنون بشأنه، ويتداعون للعمل به، أو الإقلاع عنه.
وما سطع الإيمان في نفس إلا كانت كالبلد الطيب {يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ} ؛ فابذر ـ أيها الواعظ ـ في النفوس من الحكمة والموعظة الحسنة ما شئت أن تبذر؛ فلا تريك إلا نيات صالحة، وأعمالا راضية.
ثم إن مبلغ جهد الإنسان إنما هو البلاغ، والهداية بيد الله ـ عز وجل ـ قال ـ عز وجل ـ {إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ} [الشورى49] .
وقال: {لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [البقرة: 272] .
وقال: {فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا} [الشورى:49] .
وقال: {أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} [يونس:99] .
55ـ أن يستشعر الواعظ أنه هو المقصود الأول من موعظته، وأنه مفتقر إلى الله ـ عز وجل ـ فذلك يدعوه إلى ربط القول بالعمل، ويردعه عن التمادي في الإعجاب، ويبعثه إلى الانطراح بين يدي الله ـ عز وجل ـ وسؤاله أن لا يكله إلى نفسه طرفة عين.
كما أن ذلك يقوده إلى التواضع، والزراية على النفس.
كل ذلك من أسباب توفيقه وتسديده.
فما أجمل أن يكون الواعظ كثير الانكسار والتذلل لله ـ عز وجل ـ وما أروع أن يستحضر معنى قوله ـ عندما يقول في مستهل موعظته ـ: "أوصيكم ونفسي بتقوى الله ـ عز وجل ـ ".
ولقد كان العلماء الربانيون العالمون بالله وبأمره ـ عز وجل ـ يأخذون بهذه السيرة؛ فتراهم يستشعرون بأنهم أولى الناس بالتذكرة، وأنهم أخوف الناس على أنفسهم، وأرجاهم لغيرهم.