والثاني: حب المدحة؛ فإنها إذا توسمت بالزهد كان ميل العوام إليها أكثر.
فعليك بالنظر في الشرب الأول؛ فكن من الشرب المتقدم وهم الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم.
فهل نقل عن أحد منهم ما ابتدعه جهلة المتزهدين والمتصوفة من الانقطاع عن العلم، والانفراد عن الخلق؟!
وهل كان شغل الأنبياء إلا معاناة الخلق، وحثهم على الخير، ونهيهم على الشر؟!.
إلا أن ينقطع من ليس بعالم بقصد الكف عن الشر؛ فذلك مرتبة المحتمي يخاف شر التخليط؛ فأما الطبيب العالم بما يتناوله فإنه ينتفع بما يناله"[1].
54ـ الحذر من اليأس: فربما بذل الواعظ نصحه، وحرص على هداية الناس.
وبعد ذلك قد لا يرى نتيجة الوعظ.
وهذه فرصة الشيطان التي تجعله يلقي في روع الواعظ أن لا فائدة مما تقول، وأنه خير لك أن تدع الوعظ.
فيحسن بالواعظ أن يتفطن لهذا المدخل، وأن يحسن ظنه بالله، وأن يستحضر أن الموعظة الحسنة والعمل الصالح ـ عموما ـ لا يذهبان سدى.
فإذا لم تظهر النتائج عاجلا ظهرت آجلا، وإذا لم يذهب الشر كله خف وقعه، ولم يستطر شرره.
وربما لو ترك الوعظ والإرشاد لتمادى الغافلون.
وكثيرا ما يستخف الناس بالأمر تلقى له الموعظة أو تؤلف فيه المقالة؛ فإذا تتابع الترغيب فيه، أو التحذير منه ـ ولو من الناصح الواحد ـ أخذ الناس [1] صيد الخاطر 89ـ90.