responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : دستور الأخلاق في القرآن نویسنده : دراز، محمد بن عبد الله    جلد : 1  صفحه : 212
بيد أن الصعوبة إذا ارتدت إلى الوراء على هذا النحو لا تصبح ملغاة نهائيًّا؛ لأنه كلما ارتقينا في مراتب أعمالنا الجوانية يجب علينا أن نتوقف في كل خطوة لنسأل أنفسنا عما إذا كان هذا العمل إنسانيًّا محضًا, فهو إذن يتضمن حدًّا للفعل الإلهي، أو هو من خلق الله، فهو إذن لا يرجع إلى أي خطأ من جانبا.
ولو أننا فهمنا جيدًا موقف القرآن من مشكلة الاختيار الحر لوجدناه مناقضًا لموقف "كانت" على خط مستقيم. فالقرآن يضع مقابل حتمية "كانت" في نظام الظواهر -استقلال إرادتنا الكامل بالنسبة إلى أحداث الطبيعة.
أما في النظام الماهي المعقول l' ordre - noumenal، فإن هذا الاستقلال على العكس سوف يفسح المجال لتبعية مزدوجة، بل مثلثة، للإرادة الإلهية. فإرادتنا فيما يتعلق بفاعليتها -لا تصدر عن مساعدة العناية الإلهية فحسب، لكي تبلغ جهودنا غايتها، أو تقطعها عن آثارها. فالزوج الذي يودع جرثومة ولده الحيوية لا يكمل له خلقه، ولا ينفخ فيه الحياة: {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ، أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ} [1]، والزارع الذي يجهز أرضه، ويبذرها لا يفلق الحب، ولا ينضره: {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ، أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ} [2].
وإرادتنا فيما يتعلق بوجودها في حيز القوة، كملكة اختيار بعامة، لا تصدر فقط عن الفعل الخالق الأولي، الذي ليس فعلنا -ليس ذلك كله فحسب، ولكن الطريقة الخاصة التي تحقق بها كل إرادة إنسانية ذاتها فعلًا -تخضع من وجوه كثيرة لسلطان الخالق، ولو أنها أوتيت الوسيلة التي تتخلص

[1] الواقعة: 58-59.
[2] الواقعة: 63-64.
نام کتاب : دستور الأخلاق في القرآن نویسنده : دراز، محمد بن عبد الله    جلد : 1  صفحه : 212
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست