{يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [1] -فإن الإرادة الإلهية تبدو منظمة في ذاتها، تبعًا لما يتطلبه علم وعدالة معصومين، فهي تتدخل لصالح من يستحق التدخل: {وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا} [2]، ولصالح من يعترف بالفضل: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِين} [3]، والذي يتعطش لتلقيه، فيبدو قلبه أهلًا لاستقباله: {فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ} [4].
أما الذين هم بعكس ذلك، قد أغلقوا الأعين عن النور، وسدوا آذانهم عن النصيحة الطيبة، فإن الله يذرهم في عماهم وصممهم؛ لأن القادر المقتدر لا يتدخل عبثًا مطلقًا: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِين} [5]، {وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ} [6].
وموجز القول، أن الله لا يضل إلا الأشرار، {وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ} [7]، ولا يهدي غير من يرجع إليه: {وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيب} [8].
والتحفظ الثاني:
أنه في كل هذه الظروف الإيجابية والسلبية لم يقل: إن الإرادة الإلهية تؤثر مباشرة على فعلنا الأخلاقي، وإنها تقيد الإرادة الإنسانية، أو تحل محلها، ذلك أن المنح الإيجابية لفضل الله تحتوي -بداهة- من المساندة قدرًا يحفظ جهدنا. إنها الأجنحة التي تساعد أنفسنا على التحليق. ذلك أن الله عز وجل ييسر لعباده المختارين المهمة تيسيرًا واضحًا، حين [1] النحل: 93، وفاطر: 8. [2] الفتح: 26. [3] الأنعام: 53. [4] الفتح: 18. [5] الزخرف: 36. [6] الأنفال: 23. [7] البقرة: 26. [8] غافر: 13.