قوانين الطبيعة مع قوانين الإحسان الإلهي. وموجز رأيه: أن هذا الرباط رباط تركيبي مسبق. أما نحن، فنرى أنها علاقة تركيبية فعلًا، ولكنها ليست مسبقة.
ذلك أننا -إذا نحينا التعاليم الدينية جانبًا- نتصور أي قانون أخلاقي قانونًا كامل العدالة، يستهدف في كل ما يمنحه أشياعه من مكافآت -أن يكسبهم ما يستحقون من الاحترام، والكرامة، وهو في كلمة واحدة: يمنحهم أجرهم، دون أن يتيح لهم وجودًا بعد الموت، بل دون أن يضمن لهم حياة دائمة السعادة. فهذه الأفكار كلها غريبة تمامًا عن فكرة القانون الأخلاقي، العقلية المحضة، وهي أيضًا غريبة أكثر من ذلك عن أخلاق شكلية بدأت بتقسيم الإنسان إلى قسمين، متعاديين على سبيل الإطلاق. فإذا كنا قد أبعدنا الجانب الحسي من المجال الأخلاقي بلا أدنى شفقة، فباسم أي مبدأ نسمح لأنفسنا في النهاية أن نشفق على مصيره؟ ولماذا ندخله من الشباك بعد أن طردناه من الباب، ثم نمنحه حق الإقامة المشروعة؟
فإذا ما أصر بعض الناس مدعيًا أن فوق هذه العدالة التي تتم داخل القانون الأخلاقي عدالة أخرى أعلى درجة، تجعل نظامي الإرادة والحس متناظرين، فإننا نستطيع أن نقبل ذلك إذا لزم الأمر، دون أن يعني ذلك قبول تلك المسلمات القائلة بارتباط العمل الأخلاقي بحياة ثانية، وسعادة مستقبلة. فالعملية من أبسط الأمور، وما علينا إلا أن نقلب صيغة هذا التتابع لنجد أنفسنا مكتفين بما نؤدي من واجب.
أفننتظر أن يكافئنا المجتمع على أمانتنا في الأداء العادي لواجباتنا نحوه؟ أو لسنا مدينين له بأكثر مما هو مدين به لنا؟ إذن، فماذا نقول عن خالق الكون الذي يدين له الأفراد، والمجتمعات بكل شيء؟ من منا لم ينل مقدمًا من يد الله: وجوده، وقدراته، وطاقاته، وإمكاناته،