ولنذكر واقعًا اجتماعيًّا آخر، يتصل، هذه المرة، بالعلاقة بين الأفراد، فلقد رأينا في الواقع صفة القداسة التي يضفيها الإسلام على حق الغير، بحيث أن أي ضرر يحدث لإخواننا، حتى في حال عدم علمهم، يظل على عاتق من تسبب فيه، إلى أن يعترف لضحاياه، فينال منهم عفوًا صريحًا وواعيًا.
وهكذا نرى أن انتهاك الحق العام، يقتضي من الناحة الأخلاقية، جزاءات أخرى، أكثر من مجرد الندم، والتوبة، والصلاح الشخصي، جزاءات تصل في مداها إلى ما هو أبعد من الرضا الإلهي.
إن من وراء أوامر الضمير الفردي، والضمير العام نظامًا أكثر صلابة منهما، هو نظام الفطرة الكونية الشاملة، بقانون سببيته الذي لا يعرف الهوادة، فهذه طريقة في العمل تؤدي إلى نهاية حسنة، وتلك طريقة أخرى تعود ضد صاحبها، ولذلك تنصحنا الفطنة الحكيمة بأن نحسب حساب النتائج قبل الشروع في أي عمل.
على أن هذه الاعتبارات الغائية لا يمكن من وجهة النظر الأخلاقية أن تنال صفة الشرعية إلا حين لا تحيد عن الواجب، بل تمضي بالأحرى متوافقة معه، طالبة منه المزيد.
وبهذه الشروط، أليس من حق أية تربية حسنة أن تلجأ إلى مثل هذا الأسلوب أحيانًا، لدعم تعليمها؟ على هذا النحو، جرى القرآن في كل حال، وهو يذكرنا، بعدد قليل من الأمثلة، بالنتائج الطبيعية لسلوكنا، وهي نتائج مختارة من بين أكثرها عمومًا، وأكثرها واقعية وبقاء.
إن المنابع العقلية التي يستقي منها الأخلاقيون عادة، كل بحسب هواه، برهانهم لوضع أسس التكليف الأخلاقي -هي: الاقتضاء الأخلاقي المحض، والضرورة الاجتماعية في جوهرها، والعقل الراشد العملي، وتلكم هي المنابع مجتمعة.