القرآن الكريم عن هذه الإثارة فقال: {وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} [1]. ولكن، لو أن مؤمنًا غيورًا دفعته حرارة إيمانه إلى أن يعبر -دون تعقل- عن احتقاره للأصنام، دون أن يفكر في ردود الفعل المحتملة على هذا النحو، أفلن يكون معذورًا بنزاهة قصده؟
ومثال آخر: إن الأخلاق القرآنية تذم المجدفين والمغتابين: {وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا} [2]، بالقدر الذي تذم به الذين يسمعون لهم دون اعتراض، فيصيرون بذلك شركاءهم {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ} [3]، ولكن إذا لم أرد شرًّا قط بشخص المفترى عليه، وإذا كنت أعتقد فقط في وجوب أن أكون على علاقة طيبة بكل الناس، فلا أسيء إلى أحد، أو أظلم أحدًا، أفلا أستطيع مع محافظتي على مشاعري الخاصة، أن أدع المغتاب وشأنه، وربما كنت أكن له بعض الاحترام؟ وأليس من حقي أن أقول في نفسي إن التصرف على هذا النحو تصرف حميد؟
وحالة ثالثة: في الحق أن نشر العلم الحقيقي واجب على كل فرد بحسب وسائله، أي: على قدر الاستطاعة. فمن الواجب علينا أن نتقاسم مع الآخرين ما لدنيا من حقائق، وليس أقل من ذلك وجوبًا أن يكون عملنا هذا قائمًا. [1] الأنعام: 108. [2] الحجرات: 12. [3] النساء: 140, والأنعام: 68.