على بصيرة. والعلم سلاح ذو حدين، يمكن أن يكون في خدمة العدالة، كما قد يصبح في خدمة الهوى. وإذن، فهل لأولئك الذي يحملهم المزاج، أو المنفعة، أو العادة على أن يسيئوا استخدام العلم -هل لهم حق في معارفنا، ولكن إذا لم يكن في نيتي أن أساعدهم على الإساءة، وإذا كنت أريد أن أنورهم، فقط، وبكل طيبة، ثم أدعم وشأنهم، يتصرفون على مسئوليتهم الكاملة -أليست هذه من جانبي لفتة كريمة، تستحق الثناء؟
كلا ... هكذا يؤكد أخلاقيونا، فإن الشر لا يمكن أن يصبح خيرًا بفضل كيمياء الإرادة، وبهذا النوع من سذاجة الضمير الذي أخطأ طريقه[1].
وليس لدى أخطائنا الموهبة السحرية القادرة على تطهير الدنس، بل إن هذا الخلط والتلون الذي نلجأ إليه يعتبر في أقوال الغزالي إثمًا آخر، قال: "بل قصده الخير بالشر على خلاف مقتضى الشرع شر آخر، فإن عرفه فهو معاند للشرع، وإن جهله فهو عاص بجهله "فجهله مزدوج؛ لأنه يجهل الشرع، ويجهل أنه يجهله، وقد قيل: أشد من الجهل الجهل بالجهل" إذ طلب العلم فريضة على كل مسلم، والخيرات إنما يعرف كونها خيرات بالشرع، فكيف يمكن أن يكون الخير شرًّا؟! ... هيهات ... ثم يقول: من قصد الخير بمعصية عن جهل فهو غير معذور[2]، إلا إذا كان قريب العهد بالإسلام ولم يجد بعد [1] بهذا نرى أن الشر الأخلاقي لا يأتي هنا من أن الإرادة اتجهت إلى عمل مستهدفة عملًا آخر، وإنما هو يأتي بعكس ذلك تمامًا نتيجة هذا النوع من قصور الضمير، الذي لا يرى أبعد من العمل المباشر العاجل. [2] إذا كانت النية الحسنة "التي عرفت على أنها خطأ في الشعور بالصفة الأخلاقية للعمل نفسه" منكرة إلى هذا الحد, فما القول حينئذ في الحالة الأخرى التي يطلق عليها بنفس القدر من الابتذال: نية حسنة، وذلك عندما يعتقد الفاعل -مع أنه يرى في شغله خطأ جوهريًّا- أنه يحلله، ويضفي عليه صفة الشرعية، حين يريد به أن يسهم في عمل خير؟ وهكذا يفعل المزيفون من الوعاظ والدعاة إلى الإيمان، فهم بعد أن يخترعوا كلمات وعظية معسولة، يضعونها على لسان النبي، حتى يحثوا الناس -كما يزعمون- على الفضيلة، ومثلهم المجددون في طقوس العبادة، بزعم تمجيد الله. ويحشر في زمرة هؤلاء أصحاب المطامع السياسية، الذين يبيدون خصومهم الأبرياء بدعوى خدمة الوطن -إنهم جميعًا يذكروننا بالقصة المروية منذ قديم، قصة المرأة الفاجرة التي أرادت أن تتصدق بكسبها الخبيث!! كلا ... فإن أجمل الغايات وأعدلها في ذاتها لا يسوغ الوسائل التي لا يقرها القانون الأخلاقي على أنها وسائل مشروعة.