وفي الحديث الآخر: "لا يقبل الله قولًا إلا بعمل، ولا يقبل قولًا ولا عملًا إلا بنية"[1].
ولقد تناول الحسن البصري، وسعيد بن جبير -رضي الله عنهما- هذا الحديث، فكان من قولهما: "لا يصلح قول وعمل إلا بنية، ولا يصلح قول وعمل، ونية إلا بموافقة السُّنة"[2].
ومع ذلك، إن هذين الشرطين لا يمضيان دون شرط ثالث يستتبعانه، فليس يكفي أن يتوافق العمل مع القاعدة، وهو أمر قلناه دائمًا، بل يجب أن يكون هذا التوافق أو التطابق مرادًا، ومرضيًا بكل حرية.
وإذن، فلكي يمكن أن تكون قاعدة معينة ملتزمة عن إرادة يجب أن تكون معلومة من قبل، ولذلك قسم النبي -صلى الله عليه وسلم- القضاة إلى ثلاث طوائف: واحدة منها هي الناجية، فقال: "قاضيان في النار، وقاض في الجنة، فالذي في الجنة رجل عرف الحق فقضى به، والذي في النار رجل قضى للناس على جهل، ورجل عرف الحق فقضى بخلافه" [3].
ويجب أن نعترف بأن هذه الأقوال توقظ فينا أعمق ألوان القلق على أنفسنا، وإذا كان التحديد السليم للأخلاقية ينحصر في هذه المطالب الثلاثة، فما الذي يضمن لنا أننا سنسير طبقًا له؟ وما الذي يضمن لنا أننا -في حالة معينة سوف نعرف، ونتبع الشرع الموضوعي الذي يحكم هذه الحالة في الواقع؟ وإذا كان من واجب النية القلقة أن تجرم وتتهم النفس الأمارة [1] انظر: أبو طالب، قوت القلوب: 2/ 326، والحسبة لابن تيمية 92. [2] انظر: ابن تيمية, الحسبة 92، وهذه رواية الحسن، ورواية سعيد "لا يقبل" مكان "يصلح". "المعرب". [3] انظر: الترمذي, كتاب الأحكام, باب 1.