المتمردة، فبأي حق يستطيع الانحراف اللاإرادي أن يبطل أعمالنا، على حين أنه ليس بيدنا أن نتجنب الخطأ؟
وإذا كنا -من ناحية أخرى- نريد الخير، ونقع بجهلنا في الشر، ثم لا تكفي نيتنا الحسنة لتبرئتنا، ولا تبلغ على وجه الدقة سوى عفو متسامح، فهل تكون جهودنا التي نبذلها في البحث عن الحقيقة -إذن- باطلة، بلا قيمة، وبلا جزاء، بحكم إخفاقها؟
إننا لكي نبدد هذا القلب ينبغي أن نذكر القانون العلوي للأخلاق القرآنية: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} . فإن ما يجب علينا ليس هو عدم الوقوع في خطأ، وليس هو أن نبلغ في جميع الظروف الصيغة الدقيقة للواجب في ذاته، وإنما هو أن نبذل جهدًا دائبًا، حتى نزداد معرفة بهذا القانون الموضوعي، ونهتدي بنوره.
ولكن شتان ما بين الرغبة الحارة في أن نكون على الحق، والاعتقاد التلقائي بأننا نسير في طريقه، في الواقع، وما بين استخدام جميع الوسائل التي في قدرتنا لكي نصل إلى الحق. فارتكاب خطأ بسيط، مقرونًا بحسن النية، لا ينتج سوى العفو، وهو أمر لا يفتأ القرآن يردده، وليس معنى ذلك أن الاجتهاد الذي يصحب هذا الخطأ، ويسوغه بصورة معينة -لا وزن له في الميزان الأخلاقي. فلقد ساق إلينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هذا العزاء فيما رواه عمرو بن العاص, رضي الله عنه: "إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر" [1].
إن في أيدينا الآن العناصر الضرورية لتفسير التناقض الذي ذكرناه في بداية هذه الفقرة. فإذا كنا قد خصصنا النية السيئة بدرجة من التأثير [1] البخاري, كتاب الاعتصام, باب 21.