بالشروع في تلك المهمة، باعتبارها أمرًا من الشرع، ولحظة وضع هذا القرار موضع التنفيذ.
ولذلك لا يصح أن تقتصر أية دراسة كاملة لدور النية الإيجابي على مقارنة العنصر النفسي بالعنصر البدني، مقارنة النفس بالبدن، على ما جرت به العادة، بل يجب أن نتصور العلاقة بين ملكة اتخاذ القرار، وبين القدرة على التنفيذ في كلا جانبيها الباطني والظاهري.
وكلما كان الأمر يتعلق بمقارنة عمل القلب وحركة البدن، فلا ريب في أن الأخلاق الإسلامية تغلب الواقع القلبي على تعبيره الحسي. والحق أن القرآن يلح غالبًا على دور العاملين معًا، في آيات كثيرة، منها قوله تعالى: {مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا} [1], وقوله: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا} [2], وقوله: {وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ} [3], وقوله: {وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ} [4], وقوله: {وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا} [5].
ولكن، على حين لا نجد القرآن مطلقًا يمدح عملًا حسنًا لا يستمد منبعه من أعماق النفس -فكثيرًا ما نجده يبرز بخاصة عمل القلب وحده، سواء باعتباره قيمة في ذاته: {أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى} [6]، {فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوب} [7]، أو باعتباره شرطًا جوهريًّا للسلام النهائي: {وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ} [8]، {إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [9].
وإنا لنجد هذه الميزة وقد فاضت على الموقف الباطني في الحديث الشريف [1] 2/ 62. [2] 2/ 218. [3] 6/ 120. [4] 6/ 151. [5] 17/ 19. [6] 49/ 3. [7] 22/ 33. [8] 50/ 33. [9] 36/ 89.