بخاصة، وفي نصوص المفسرين، وهي في هذا المجال أكثر صراحة. ولنأخذ على سبيل المثال فكرة: "تقوى الله" التي تكاثرت حولها جميع الأحكام القرآنية تقريبًا، والتي ورد ذكرها أكثر من مائتين وعشرين مرة في القرآن.
إن القرآن يعني بهذه اللفظة موقفًا طائعًا يحترم الأمر الإلهي، وإن هذا الأمر مسموع ملبًّى على أوسع معانيه: {وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى} [1]، وبخاصة حين يقترن بالأمر التحريمي، في مقابل "البر": {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [2].
وهو في كلتا الحالين يبدو غالبًا أنه يستهدف طاعة كاملة، تشترك فيها القوتان: البدنية والأخلاقية، ولكن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد ركز بكل وضوح على العامل القلبي، الذي يُعيِّنه على أنه جوهر الفضيلة ذاته، فقال: "إن التقوى ههنا" [3]، وأشار إلى صدره، مكررًا قولته ثلاثًا. فحين جاء من بعد ذلك مجموعة من الأخلاقيين، مثل: الحكيم الترمذي، والغزالي -ساروا على نهجه، وجعلوا من هذا العنصر الباطني التحديد الدقيق للتقوى، فكتب الحكيم الترمذي يقول: "التقوى طهارة القلب، وطهارة الصدر مما ذكرنا بدءًا من الإزراء بالخلق، والاحتقار لهم، وقلة العطف عليهم والاحتياط لأحوالهم، ومنح النصيحة لهم، والعون لهم على عبوديتهم لله، وأن يحدوهم على الخيرات ولا يدعوهم إليها، فصاحب التقوى بمنزلة رجل خرج من الحمام وقد تطهر من الأدناس، والأوساخ، ولبس ثيابًا بيضًا، فإذا رأى غبارًا، أو هاجت رياح، توقى على رأسه ولحيته وثيابه أشد التوقي"[4]. [1] 2/ 189. [2] 5/ 2. [3] صحيح مسلم, كتاب البر, باب 7. [4] الترمذي الحكيم: الأكياس والمغترين, ص99-100 من المخطوطة 104 تصوف, بالمكتبة الظاهرية بدمشق، وقد نقل المؤلف النص بمعناه، ورجعنا إلى الأصل فنقلناه بحرفه، وربما التبست عبارة الترمذي: "وأن يحدوهم على الخيرات ولا يدعوهم إليها" -على فهم القارئ، ولعل المراد: أن التقي يحمل الناس على الخيرات حملًا بفعله، ويدفعهم إليها، ولا يكتفي بمجرد الدعوة اللسانية, والله أعلم. "المعرب".