جوارحه تزينت بجميع الطاعات، ثم دامت تلك الطاعات على الجوارح، وامتدت المدة في ذلك، فقرّت الجوارح على الطاعات، ولم يكن في قلبه من الغنى ما يمد الجوارح -بقيت الجوارح معطلة، والقلب مغتر، فماذا أغنى هذا الظاهر على الجوارح، وإذا كان القلب غنيًّا، والجوارح معطلة، ففي أدنى حركة من القلب يوسِع الجوارح خيرًا وبرًّا"[1].
ذلكم هو الجانب الذي يعود إلى العمل الباطني في تحقيق الخير الموضوعي، فهو ليس شرطًا ضروريًّا فيه وحسب، ولكنه سبب مؤثر بوساطة العمل الظاهري، الذي ليس سوى "مكمل وانعكاس" للأول.
أضف إلى ذلك أن أوامر القانون الأخلاقي ليس هدفها الوحيد أن تثبت العدالة في الدنيا، وإنما هدفها كذلك تقويم شخصنا، بأن ترفعنا فوق الأشياء الأرضية، والحياة الحيوانية.
والعمل الباطني من وجهة النظر العامة لم يكن سوى وسيلة بعيدة، وسبب غير مباشر. وهو من هذه الوجهة الجديدة إما أن يكون غاية في ذاته، وإما أن يكون المرحلة الأخيرة في السلسلة السببية، فهو يتصل بالغاية النهائية التي يتحقق بها هدف الواجب على وجه الكمال.
وليس معنى هذا أن النشاط المادي تتوقف الحاجة إليه عند هذه النقطة، ولكنه يغير دوره فحسب، أو بعبارة أدق: يصبح دوره مزدوجًا: فبدلًا من أن يجنح بنتائجه إلى الخارج فقط، يستدير في الوقت نفسه إلى الداخل، ليقوي استعداداتنا الفطرية، ويزيد في تأصيلها. [1] الترمذي: جواب المسائل ص195-196, وقد نقل المؤلف موجز النص بمعناه. "المعرب".