يتجلى لأعيننا على أنه وحدة اليقين الراسخ وحقيقته، اليقين الذي تفرضه حقيقة الأشياء على كل الأنفس المستنيرة.
وإنا لنعلم كم تفرق الظروف الذاتية آراءنا الشخصية، وندرك إلى أي مدى تعمل هذه الظروف على تفرقها واختلافها غالبًا. وعلى هذا، فلو حدث في ظروف كهذه، يبذل فيها كل فرد جهده العقلي، تبعًا لطريقته الخاصة في التفكير، ومستقلًّا عن كل تأثير خارجي -لو حدث أن انتهى هذا الجهد إلى نفس الحل الذي انتهت إليه جهود الآخرين. فما ذلك إلا لأن هذا الحل قد تجلى من خلال الضمائر كلها في وضوح وصدق لا يقبلان المناقشة.
فعصمة الإجماع، التي هي موضوعنا هنا، ليست في حقيقة الأمر منسوبة إلى المفكرين أنفسهم، ولا إلى هذا النص الخاص، أو ذاك، مما يمكن أن ترفض صحته، أو يختلف تأويله وتفسيره، ولكنها تكمن في ذلك الرجوع إلى مجموع الوثائق القرآنية والنبوية الصحيحة، ودراستها دراسة ناضجة، وبناء عليها يؤسس مفكرونا ما يصدرون من أحكام.
رابعًا: القياس
على حين آمنت المدرسة الظاهرية، أو التفسيرية، بوجوب الاقتصار على المصادر الثلاثة السابقة: "الكتاب، والسُّنة، والإجماع" -فقد مضت المذاهب الأخرى -استنادًا إلى ما فعله صحابة النبي -صلى الله عليه وسلم- وإلى رأي أكثر تابعيهم- إلى مصدر رابع وأخير، أطلق عليه: القياس.
أيجب أن نعتقد أن نظريتهم هذه تنزع إلى أن تخلع على هذا النوع من التشريع صفة الاستقلال العقلي الذي سبق أن رفضناه بالنسبة إلى القرار الإجماعي، وبالنسبة إلى النبي نفسه؟
كلا ... فهذا الاستدلال بمقتضى تعريفه نفسه يفترض وجود حالة نقيس عليها، تمثل بها الحالة الجديدة، وعليه فالحالة النموذج ينبغي أن يسبق ذكرها في القرآن، أو في الحديث، أو في الإجماع. وفضلًا عن ذلك