فإن الطابع المشترك بين الحالتين يجب: إما أن ينشئ[1] علة التشريع، وإما أن ينطوي[2] عليها. والمراد بالعلة: السبب الذي من أجله طبق حل الحالة الأولى.
وبناء على ذلك فإذا كان هذا الطابع المشترك قد عين صراحة في النص، أو اعترف به الإجماع، على أنه سبب وجود الحل الأصلي, فليس هنالك أية صعوبة، حتى من قبل المدرسة الظاهرية؛ لكي نجعل هذا الطابع دليلًا، بل شرطًا ضروريًّا وكافيًا للحكم الصادر من قبل، ومن ثم لا صعوبة أيضًا في تعميم هذا الحكم وتطبيقه أينما توفرت العلة الثابتة.
بيد أنه في الحال التي لا يمكن فيها استخراج هذا التعليل، أو هذه العلاقة السببية، إلا بواسطة جهد دقيق في البرهنة، قل أو كثر -أيجب في هذه الحال أن نعتد هذا التعليل بما يستقى منه من نتائج, مما تقتضيه روح الشريعة المنزلة؟
في رأينا أن الإجابة عن هذا السؤال ينبغي أن تشتمل درجات، ولكن سكوت المدرسة الظاهرية عنه لا يعد على الأقل مانعًا من إساءة استعمال بعض الفقهاء للحرية العقلية.
وبعكس ذلك مذهب المالكية، الذي مضى إلى ما هو أبعد من ذلك في الاتجاه المتحرر، مستندًا إلى ما حدث من أمثلة على عهد المسلمين الأوائل.
فالإمام مالك يوافق على هذه البرهنة القياسية، لا استنادًا إلى نص محدد فحسب، يضع نفس الحل لمشكلة محددة مماثلة للمشكلة المدروسة، بل كذلك استنادًا إلى الطرق العامة التي لجأت إليها الشريعة في مواضع لا تحصى، أقل شبهًا أو أكثر بما نحن بصدده، والتي تستخرج من مجموعها تلك الفكرة الثابتة التي تقول: إن هذا النوع من الخير هدف جوهري يسعى الشرع لتحقيقه بكل الوسائل الممكنة. فالحالة الجديدة حينئذ لا تقدم لنا سوى [1] انظر: قياس العلة. [2] انظر: قياس الشبه.