بيد أننا ما دمنا في نطاق ما يقبل المعرفة -ندرك أن الصعوبات التي تثيرها دوافعنا العميقة كثيرة، وحتى لو افترضنا أن هذه الدوافع الحقيقية قد كشفت، فإنها ليست سهلة المراس بحيث يمكن إقصاؤها وشغل مكانها بمجرد صارف من صوارف الفكر، كيفما أردنا.
بل قد يجوز لنا أن نتساءل: إذا ما كانت النية بعامة يمكن أن تكون موجهة؟
يرى الإمام الغزالي أن الإنسان لا سلطان له مباشرة على هذا التوجيه، وفي ذلك يقول: "إنما النية انبعاث النفس وتوجهها، وميلها إلى ما ظهر لها أن فيه غرضها، إما عاجلًا، وإما آجلًا، والميل إذا لم يكن لا يمكن اختراعه، واكتسابه بمجرد الإرادة، بل ذلك كقول الشبعان: نويت أن أشتهي الطعام وأميل إليه، أو قول الفارغ: نويت أن أعشق فلانًا وأحبه وأعظمه بقلبي، فذلك محال، بل لا طريق إلى اكتساب صرف القلب إلى الشيء وميله إليه، وتوجهه نحوه إلا باكتساب أسبابه، وذلك مما قد يقدر عليه، وقد لا يقدر عليه، وإنما تنبعث النفس إلى الفعل إجابة للغرض الباعث، الموافق للنفس، الملائم لها، وما لم يعتقد الإنسان أن غرضه منوط بفعل من الأفعال فلا يتوجه نحوه قصده، وذلك مما لا يقدر على اعتقاده من كل حين، وإذا اعتقد فإنما يتوجه القلب إذا كان فارغًا غير مصروف عنه بغرض شاغل أقوى منه، وذلك لا يمكن في كل وقت، والدواعي والصوارف لها أسباب كثيرة، بها تجتمع، ويختلف ذلك بالأشخاص، وبالأحوال، وبالأعمال، ويضرب الغزالي لذلك مثالًا فيقول: "فإذا غلبت شهوة النكاح مثلًا، ولم يعتقد غرضًا صحيحًا في الولد، دينًا ولا دنيا، لا يمكن أن يواقع على نية الولد، بل لا يمكن إلا على نية قضاء الشهوة، إذ النية هي إجابة الباعث، ولا باعث إلا بالشهوة، فكيف ينوي الولد، وإذا لم يغلب على قلبه أن إقامة سنة النكاح اتباعًا لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعظم فضلها، لا يمكن أن