ذَلِكَ خَيْرٌ} [1]. وقال: {وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا} [2].
وإنه ليشهدنا كذلك على المبدأ الأساسي الذي صدرت عنه الشريعة الإلهية كلها، حين صاغه فقال: {إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ} [3].
وقال: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ} [4].
وهكذا، فإن ما كنا نعتقد أنه الحلقة الأخيرة في سلسلة المراجع، لم يثبت أنه الأخير. فالعقل الإلهي، في هذا المجال، أكثر تشددًا من العقل الإنساني. فهو لا يريد أن يتمسك بشكل حكمه، ويجعل منه المبدأ الأول للإلزام الأخلاقي، وإنما هو يلجأ بدوره إلى معيار آخر فيحيلنا إلى جوهر الواجب ذاته، إلى كيفية العمل، وإلى قيمته الذاتية.
فالأمر الإلهي يسوغ في نظرنا بتطابقه مع تلك الحقيقة الموضوعية، وهو بهذا التطابق يستحوذ على قبولنا؛ كما أنه يقيم على هذا القبول سلطانه الأخلاقي.
بيد أن هذا الطابع العميق الذي يؤلف جوهر العدل، والخير في ذاته لا يتسنى لنا أن نميزه بأنفسنا، دائمًا، وحيثما وجد فشأنه شأن كل جوهر، لا نراه مباشرة في حالة كماله، وإنما نلمحه لمحًا، بفضل ذلك الجزء من النور، المحدود في امتداده، وفي قوته، والذي نستمده من فطرتنا.
ليس هنالك إذن سوى نور واحد محض، وغير محدود، هو الذي يستطيع أن يضم هذا الجوهر كاملًا، وفي ثقة تامة؛ ولذا كان من حق المؤمنين أن يتخذوا من العقل الإلهي وسيلة الهداية الأخلاقية الكاملة، وإذن ففي فكرة القيمة يكمن المنبع الحق للإلزام، فهي عقل العقل، وهي المرجع الأخير للحاسة الخلقية. [1] الأعراف: 26. [2] البقرة: 269. [3] الأعراف: 28. [4] النحل: 90.