شمول الحكم ويدافعون عنه بقوة، باعتباره نتيجة ضرورية لشمول رسالة النبي -صلى الله عليه وسلم- وتساوي الجميع أمام الشريعة. وإنما كان مبدأ التعليل بالقياس موضع خلاف بين فقهاء المسلمين في موقف واحد، كما رأينا، عندما تكون الصفة المشتركة بين الحالتين غير محسوسة، ويحتاج استنباطها إلى إعمال العقل بطريقة أقل أو أكثر ذكاء، وهي حالة جزئية لا تحمل أدنى مساس بالمبدأ العام.
بيد أن شمول الواجب لا يعني امتداده إلى جميع الأفراد فحسب، ولكنه يستتبع كذلك تطبيقه على مختلف الظروف التي يمكن أن يوجد فيها فرد معين، وهذا النوع من الشمول هو ما يطلق عليه اصطلاحًا: الضرورة المطلقة -NECESSITE ABSOLUE. ولسوف نرى فيما بعد أن هذا الوصف غير صالح لتطبيقه بدقة على فكرة الواجب القرآني؛ فالواجب -على ما قرره القرآن- لا يفرض على الإنسان إلا عندما يكون ممكنًا، ولكنه ضروري بمعنى أنه لا ينبغي أن ينحني أمام حالاتنا الذاتية، ولا أمام مصالحنا الشخصية.
ومن الارتياب، أو مرض القلوب -كما حدثنا القرآن- ألا نذعن للقانون إلا حين نفيد منه، على حين يخضع له المؤمنون دون قيد أو شرط: {وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ، وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ، أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ، إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} 1.
والقرآن لا يعظم فحسب الإنفاق الذي يحدث على نسق واحد، في السراء والضراء: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ} [2]، ولا يمتدح فقط
1النور: 48-51. [2] آل عمران: 134.