الشجاعة التي تتحدى الجوع والعطش والنصَب: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَطَأُونَ مَوْطِئًا يُغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ} [1]. ليس ذلك فحسب، وإنما هو يندد في قسوة بأولئك المرضى المنحرفين، الذين تمنعهم مثل هذه الحالات من أداء الواجب: {وَقَالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا} [2].
وحين يتكلم الشرع الإلهي فلا كلام لأحد. يقول الله سبحانه في كلمات صريحة: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [3]. أيمكن أن نجد تعبيرًا أعظم قوة من هذا؛ لإثبات الضرورة التي يفرض بها الواجب؟
ومع ذلك فلا ينبغي أن يلتبس هذا التعبير في أذهاننا باستعمالين آخرين لكلمة "الضرورة". فإن الضرورة الأخلاقية تفترق في وقت واحد عن "الضرورة المادة LA NECESSITE PHYSIQUE، وعن "الضرورة المنطقية -LA NECESSITE LOGIQUE".
فللقانون المادي على أجسامنا ضغط نتحمله مكرهين، دون أن نملك تحاشيه، وأما القانون الأخلاقي فهو بعكس ذلك يفترض حرية الاختيار، فهو يكلفنا، ولكنه لا يقهرنا قهرًا ماديًّا. إنه يدع لنا أولًا إمكان مراعاته، أو مخالفته "ودعك من مقوامته آخر الأمر"، وتلك هي القاعدة الأصلية التي لا يفتأ القرآن يعلنها، سواء فيما يتعلق بواجب الإيمان، أو بواجب الفضيلة العملية، واقرأ إن شئت هذه الآيات الكريمة: {وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا [1] التوبة: 120. [2] التوبة: 81. [3] الأحزاب: 36.