لقد نظر برجسون في بعض الأمثلة التي رأي الفيلسوف الألماني أن يستشهد بها على نظريته، ثم أعلن أنه لا يستطيع أن يوافقه على رأيه إلا بشرط أن يفهم هذا المعنى أو ذاك، لا في تعريفه المادي البسيط، بل بما يشمل طابعه الإلزامي، وجميع شروط الأخلاقية. وفسر ذلك بأنه ربما يكون من باب التناقض أن نجد من ائتمن على وديعة، مع تعهده بردها صراحة أو ضمنًا، يتملكها، فهو حين يفعل ذلك لا تصبح الوديعة وديعة[1].
ولكن، أليس واضحًا أن نظرية "كانت" -حتى مع هذا التقييد- تظل دائمًا غير مثبتة؟ بل نقول: إنها غير قابلة للإثبات أيضًا، مهما تكن قوة الجدل التي يمكن استخدامها؛ ذلك أنه حين يسحب اليوم تعهد أخذ بالأمس فإن الناتج عن ذلك يعد تباينًا "CONTRASTE" بين موقفين متقابلين، ولكنه ليس مطلقًا تناقضًا CONTRADICTION بالمعنى الصحيح. "فهذا التعهد يجب أن يلتزم". هذه قضية قانون، "ولكنه لم يلتزم" -وتلك قضية واقع. أية استحالة داخلية في هذين التقريرين؟ فما دام وجها التقابل غير صادرين من نفس المصدر، ولا يعودان إلى نفس المراجع، وما دام الإثبات والنفي لا يقعان معًا على نفس الشيء، وفي نفس الظروف -فلا يمكن أن يكون هنالك أي تناقض منطقي، دون أن نخترع مصطلحًا جديدًا. "فالعقل يتقاضانا أمرًا". نعم، وهو لا يفتأ يفعله ... "والشعور يقبل أو يرفض". واأسفًا.. لكن ذلك هو قانونه.
ذلكم هو الصراع الخالد بين المثل الأعلى والواقع، بين شريعة الأخلاق، وشريعة الفطرة، وخير دليل على عدم تناقضهما أنهما تعملان معًا؛ على حين أن المنتناقض هو الشيء المطرود من حظيرة الواقع بداهة. [1] Bergson, Les deux sources de la Morale et de la religion, p. 86.