نام کتاب : منهج التربية الإسلامية نویسنده : قطب، محمد جلد : 1 صفحه : 89
بالله لم يقهر العقل بالخوارق القاهرة التي يعنو لها الفكر, ولا بأسرار لا حيلة له فيها ولا اختيار. بل خاطبه ووعاه وأيقظه وناقشه. وجعله يشترك في عملية الإيمان الواعية، الجديرة بالإنسان الذي كرمه الله بالأفئدة والأبصار.
ولكنه كما قلنا من قبل لم يدعه يحمل العبء الثقيل وحده فلا ينهض به. وإنما أعطاه دائمًا إشعاعة من قبس الروح المضيئة تضيء له الطريق، وزوده دائمًا بنور الإيمان. وكان في ذلك ملبيًا لطبيعة الفطرة. ملبيًا لحقيقة الكيان البشري الذي لا تنفصل فيه طاقة عن طاقة، ولا جزء عن بقية الأجزاء.
وكما أطلقه من قبل يتدبر آيات الله في الكون، ليهتدي إلى "الحق" في خلق السموات والأرض والحياة والإنسان، ويعمل بمقتضى هذا الحق، ويجاهد في سبيل إحقاقه، فكذلك يطلقه هنا يفهم حكمة التشريع ليهتدي إلى ذلك "الحق" فيعمل بمقتضاه.
ومن هنا يمتزج التشريع بالتوجيه، وتمتزج الأحكام بالتقوى التي تضيء الوجدان.
ولم يكن ذلك تلبية لفطرة النفس الداخلية فحسب، بل كانت كذلك خبر سياسة تضمن سير الأمور في المجتمع بدافع من الرغبة لا بدافع الخوف من العقاب.
لقد شرعت العقوبات لضمان تنفيذ الحد الأدنى من التشريع الذي لا يقوم المجتمع بدونه. ولكن ذلك لم يكن كل هدف الإسلام. فهو يكفي لحفظ المجتمع من السقوط، نعم. ولكنه لا يكفي لترقية المجتمع وحثه دائمًا إلى الأمام. فهذا أمر تقوم به الرغبة المنبعثة من داخل الضمير. الرغبة النبيلة المتطوعة التي لا تبحث عن حدود القانون لتقف عندها ملقية أثقالها، نافضة يديها. وإنما تبحث عن الآفاق العليا تحاول الصعود إليها. وتجد لذاتها في ذلك الصعود. وهذا لا يجيء بالتشريع. وإنما يجيء بالتوجيه. توجيه القلب إلى الله، ووصله به والتطلع إلى رضاه.
وهما أمران متلازمان.. الحد الأدنى المفروض، والحد الأعلى المطلوب. ومن ثم تلازم التشريع والتوجيه في القرآن، وامتزجا فهما شيء واحد عسير التفريق!
نام کتاب : منهج التربية الإسلامية نویسنده : قطب، محمد جلد : 1 صفحه : 89