وذكر الساجي أن أصحاب الزهري كانوا يلجأون إلى محمد بن إسحاق فيما يشكون فيه من حديث الزهري؛ ثقة منهم بحفظه[1].
هذه هي منزلة الرجل، وتلك هي مكانته عند علماء الحديث، فقد وثقه وأثنى عليه شيوخه، مثل الزهري وعاصم ابن عمر، كما أثنى عليه تلاميذه، مثل شعبة بن الحجاج وسفيان بن عيينة، كما وثقه وأثنى عليه اللاحقون من كبار رجال الحديث، وعلماء الجرح والتعديل، مثل يحيى بن معين وأحمد بن حنبل، وهما من أكثر العلماء تشددًا في قبول الأحاديث.
والجهة الوحيدة التي جاء منها تجريح لابن إسحاق، وتوهين من شأنه في رواية الحديث، هي جهة الإمام مالك ابن أنس، من أجل الخلاف الذي كان بينهما -والذي وضحناه فيما سبق.
ولعل الذين توقفوا عن رواية الحديث عن ابن إسحاق، كانوا متأثرين في ذلك بموقف الإمام مالك بن أنس من ابن إسحاق، ومالك كان صاحب نفوذ علمي كبير لا يخفى على أحد، وهو الوحيد الذي لقب بإمام دار الهجرة، وقد ذاع وشاع القول المأثور الذي صار مثلًا: "لا يفتى ومالك في المدينة" وكان ذلك القول صحيحًا ولم ينكره أحد من العلماء. [1] انظر، وفيات الأعيان، ج4، ص276- 277.