الحربية. وهكذا زحف القرشيون، في السنة الثالثة للهجرة، نحو المدينة، وفي يوم الخميس، التاسع من شوال، عسكروا عند سفح أحد، وهو جبل يقع على مبعدة ثلاثة أميال من المدينة. ثم انهم استولوا على مراعي المدينة. لقد حصدوا محاصيل خصبة وقدّموها علفا لخيلهم، وأطلقوا إبلهم ترعى الحقول وتعيث فيها فسادا.
وفي اليوم التالي، الجمعة، العاشر من شوال جمع الرسول صحابته ليتدارسوا أفضل السبل لمواجهة الموقف. وكان من عادته أن يشاور أصدقاءه قبل الاقدام على أيما عمل خطير. وقصّ عليهم بعض رؤاه.
كان قد رأى، في ما يراه النائم، ان طرف سيفه قد ثلم. وأوّل ذلك بأنه نذير بأذى سوف يصيب شخص الرسول. ورأى أيضا انه لبس درعا. وأوّل ذلك بأن من الخير للمسلمين ان يلزموا حصون المدينة لا يغادرونها. وكانت ثمة رؤيا ثالثة ذبحت فيها بعض الثيران، فأوّلت بأن الأذى سوف يصيب أتباعه. واستنادا إلى هذه الرؤى، ذهب الرسول إلى ان عليهم ان لا يغامروا بالخروج للقاء العدو [حيث نزل] ، مؤثرين البقاء ضمن أسوار المدينة وردّ هجمات القرشيين عليها. وأقرّه على رأيه هذا أصحاب السن العالية والعقل الراجح من صحابته. حتى عبد الله بن أبيّ، الذي كان قد اعتنق الاسلام رياء ونفاقا بعد معركة بدر، قال بالرأي نفسه. ولكن الكثرة، المؤلفة في المقام الأول من شبان متقدين حماسة، مالوا إلى الخروج لمقارعة العدو في معركة ناضحة بالرجولة والشجاعة. وكانت حجتهم ان التحصن بالمدينة قد يحمل على محمل العجز والضعف وقد يجرّىء العدوّ عليهم. وإلى هذا، فقد كان مما يجرح احترامهم الذاتي أن يروا إلى حقولهم يعاث فيها فسادا دون أن يحركوا ساكنا. ومراعاة من الرسول لرأي الاكثرية أخذ بوجهة نظرهم، ولبس لأمته*، وفصل من المدينة قبيل المغيب
(*) درعه.