وكان برغم تواضعه ووداعته البالغين شجاعا كأشجع ما يكون الرجال. إنه لم يستشعر في يوم من الأيام أيّ خوف من أعدائه. وحتى عند ما بيّتت المؤامرات في مكة للقضاء على حياته كان لا يكفّ عن التطواف بالبلد ليلا ونهارا. لقد سأل جميع أصحابه ان يهاجروا من مكة، على حين لبث هو هناك بين أعدائه وحيدا أو يكاد. وعندما انتهى مطاردوه إلى فم الغار بالذات لم يعرف الخوف سبيلا إلى قلبه.
لقد عزّى صاحبه قائلا: «لا تحزن ان الله معنا.» وفي معركة أحد عندما وقع جيشه كله في ضرب من الشرك، صاح بأعلى صوته، غير مبال بالخطر المحدق به، ليجمع شتات جنوده. وفي مناسبة أخرى، عندما ولى أفراد جيشه الأدبار، تقدّم وحده نحو العدو، وهتف:
«أنا رسول الله!» وحين خاف المسلمون، مرة، أن يغار عليهم ليلا كان هو أول من خرج يستكشف ضواحي المدينة، ممتطيا جواده من غير ان يسرجه. وفي رحلة قام بها الرسول، وبينا كان قاعدا وحده في ظل شجرة، انقضّ عليه عدوّ من أعدائه وصاح وهو شاهر سيفه: «من الذي يستطيع أن ينقذك، الآن، من يديّ؟» ومن غير أن يتطرق اليه الفزع البتة أجابه قائلا: «الله» . ومن عجب أن سيف عدوّه ما لبث أن سقط من يده. فتناول الرسول السيف الساقط وطرح على الرجل السؤال نفسه، فاذا به يتكشّف عن جبانة بالغة.
وأيا ما كان، فقد خلّى الرسول سبيله.
إن تراجم الرسول، التي كتبها أصدقاء له وأعداء على حد سواء، لتجمع كلها على الاعجاب بعزمه الراسخ وثباته الذي لا يتزعزع، في أشد المحن قسوة. كان اليأس والقنوط لا يعرفان إلى قلبه سبيلا.
فعلى الرغم من ان المستقبل المظلم والمقاومة العنيدة كانا يكتنفانه من أقطاره جميعا فأن ايمانه بالنصر النهائي لم يهن لحظة واحدة. لقد عجزت أعتى عاصفة من عواصف الشدائد عن ان تزحزحه عن موقفه قيد