باثرا عميقا بأخلاق الرسول وعطفه الانسانيّ. وهذا كان، في الحق، هو مبعث الحب العميق بين الزوج وزوجه. كان كل منهما مفعما بحسّ العطف الانساني. وليس في استطاعة امرئ ان يكون أكثر اطّلاعا على عادات رجل ما من زوجته، التي تكون في مركز يمكّنها من النفاذ. في حرية، إلى أعمق أعماق قلبه. واذن، فكون خديجة قد آمنت هذا الايمان الثابت الذي لا يتزعزع ينهض دليلا لا يحتمل الجدل على كمال خلقه. واشدّ النقاد عداوة لا يجرؤ، أمام هذا الدليل، على الارتياب في صدق الرسول واخلاصه. ذلك بأن الدجال أعجز من ان يوفق إلى انتزاع كامل الولاء والاحترام القلبيين من مخلوقة مطّلعة على أسراره هذا الاطّلاع كله.
إن لشهادة خديجة على سموّ خلق الرسول أعظم الوزن من غير ريب. ولكن الآخرين الذين اتصلوا به لم يكونوا أقلّ تعلّقا به. فلم يكد والد زيد، رقيق الرسول المعتق، يسمع بفوز ابنه بحريته، حتى وفد على مكة ليعود به. ولم يكن في ميسور الرسول، وهو الرقيق القلب، أن يحول دون اجتماع شمل الوالد وولده. كان بالغ السعادة بأن يرى الابن يعاد إلى كنف أبيه المحبّ. ومع ذلك، فأنه لم يستطع ان ينفصل عن زيد برغم هذا الأخير. وهكذا ترك لزيد، حين سأله والده أن يقول له كلمة الوداع، حرية اتخاذ القرار الذي يشاء.
وهل يطمع والد في أكثر من ذلك؟ والواقع انه لم يخطر بباله قط أن يغلب حبّ ابنه للرسول حبّه البنويّ له. كان زيد قد أمسى- على الرغم من تحرره من عبوديته المادية تحررا كاملا- مفتونا بشخصية الرسول الفاتنة. ومن هنا آثر- ويا لخيبة أمل الوالد! - أن يبقى في كنف الرسول. وكذلك فأن تعلّق ابي بكر بالرسول على نحو راسخ حقيقة يعرفها الخاص والعام. ولم يكن ابو طالب أقلّ اعجابا بنبل خلق الرسول. فعلى الرغم من تمسّكه بدين آبائه وأجداده، فقد