نصر الرسول في السراء والضراء، ودافع عنه، معرّضا شخصه لخطر عظيم، حين استبدّ الغيظ ببيوتات قريش مجتمعة. إلى ذلك الحد كان الانطباع الذي تركه سحر اخلاق محمد في نفسه عميقا. لقد اعتبر أن من الخسّة التي ما بعدها خسّة ان يتخلى عن رجل يتمتع بمثل هذا الخلق السامي. فهو يؤثر أن يتعرّض من أجله لمختلف ضروب المخاطر، مواجها أحوالا قاسية. وحين سألته قريش ان يتخلى عن محمد عنّفهم وردهم ردا جميلا.
وبكلمة، لقد انتزع محمد اعجاب كل من قدّر له ان يتصل به.
وأهمّ من ذلك وأحفل بالمغزى ان جميع الذين اتصلوا به كانوا رجالا ذوي صفات خلقية ممتازة إلى أبعد الحدود. وإلى جانب أصحابه المخلصين، المشهورين في تاريخ الاسلام بسموّ اخلاقهم، كان ثمة بين أصدقائه الاولين آخرون لا يقلّون عن هؤلاء نبل نفس وخلق، من مثل حكيم بن حزام، وهو زعيم قرشي محترم لم ينضو تحت لواء الاسلام إلا بعد سقوط مكة، وزيد بن ثعلبة. وكانا صديقين حميمين، ورجلين ذوي خلق متين. وهذا يحمل على الاعتقاد- كشأن اللمسة الذهبية في القصة المعروفة- أن كلّ من قدّر له أن يحتك بشخصية الرسول المغنطيسية، حتى في هذه المرحلة المبكّرة من حياته، كان يكهرب بسموّ أخلاقه ونبلها.
ومن أنفس الجواهر في شخصية الرسول عطفه العظيم على الفقراء، والمساكين، والأيتام، والأرامل. فكان يبذل قصاراه لتزويدهم بما يحتاجون اليه. وقد اقرّ له بهذه الفضيلة أعداؤه وأصدقاؤه على السواء وأعجبوا به من أجلها. وكلمات خديجة التي سرّت بها عن نفسه تقوم دليلا على هذا الجانب من شخصيته. وقد أشار ابو طالب إلى ذلك في شرحه السبب الذي يوجب عليه ان ينصره على أعدائه. واشتراكه في «حلف الفضول» - وهو حلف وضع ابتغاء الدفاع عن المظلوم ليس