غير- يفيد المعنى نفسه. وتعاليم القرآن الكريم تجعل العناية بأمر اليتيم والمسكين جوهر الدين نفسه. فكل من ينكر اليتيم ولا يحثّ غيره على إطعام الفقير ينكر الدين نفسه. واسمى قمم الشرف الانساني، كما يقول القرآن الكريم، هي رعاية اليتيم* والمعوز. وهو يتوعد كل من لا يحترم اليتيم بالأذلال. وينص على ان السقوط القومي لا بدّ أن يكون هو النتيجة الطبيعية التي ينتهي اليها كل مجتمع يهمل اليتيم ولا يعطف على الفقير. وبكلمة مختصرة، فأن القرآن طافح بأمثال هذه التعاليم التي تؤكد ضرورة الاهتمام بأمر اليتيم والفقير.
ونحن نستفيد من سيرة الرسول في سني حياته الأولى انه كان، منذ طفولته نفسها، يتمتع بأسمى مراتب الحياء والعفة. انه لم يكن نزّاعا إلى الأخذ بأسباب الطيش الصبياني الذي يغلب على الفتيان في مثل سنّه. وانما يشهد ابو طالب على هذا المعنى نفسه في حديث له عنه وجّهه إلى العباس، قال: «أنا لم أره يكذب، أو يعمد إلى المزاح، أو يصطنع لغة السوقة، أو يخالط صبيان الشوارع.» وكانت الحرب هي الوسيلة المفضلة للهو واضاعة الوقت في بلاد العرب، على أيامه، ولكن الرسول استشعر، بفطرته ذاتها، عزوفا عن ذلك ونفرة.
وفي حرب الفجار لم يذهب إلى أبعد من دفع السهام وغيرها من أدوات القتال إلى أعمامه. وكانت الخرافات على اختلافها، الخرافات الشائعة في البلاد، بغيضة إلى نفسه. لقد مقت عبادة الاوثان منذ صباه الأول. وفي احدى المناسبات تشعب الحديث حتى انتهى إلى الصنمين العربيين الرئيسيين، اللات والعزّى، فأعلن انه لا يبغض أيما شيء
(*) «وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتامى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ، وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ، وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ، إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ.» (السورة 2، الآية 220) «إِنَّهُ كانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ. وَلا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ. فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هاهُنا حَمِيمٌ.» (السورة 69، الآيات 33- 35)