10- اجتماع عدة بواعث للعدوان: فقد تجتمع عدة بواعث للقيام بعدوان أمة على أمة وظاهرٌ أن أي باعث من هذه البواعث لا يعتبر مشرفاً في مستوى المجد الإنساني، والقيم الأخلاقية الكريمة، لأي متحرك به، ولذلك نلاحظ أن معظم الذين يتحركون بواحد أو أكثر منها لقتال الأمم والشعوب عدواناً وظلماً - بغية التسلط عليها، للانتقام منها، أو للظفر بما لديها من نعم وخيرات مادية أو معنوية - لا يُعربون عن بواعثهم الحقيقية، وإنما يجعلون فوقها أقنعة مزوّرة، ويسوقون دونها المبررات الكثيرة الكاذبة، لتغطية الأهداف الحقيقية لتحركاتهم، وقد يفتعلون مثيرات الغضب لتأتي تحركاتهم العدوانية في لباس المؤدب، أو في لباس المنتقم.
ومن المبررات التي اصطنعتها الدوائر الاستعمارية لصور الاستيلاء الذي فرضته على أمم وشعوب كثيرة خلال القرنين التاسع عشر والعشرين، مزاعمُ التمدين والتحضير والتعليم والمساعدات الصحية والاجتماعية، والحقيقة أن معظم هذه المزاعم لم تكن إلا ستائر فقط، والغرض منها خداع الرأي العام العالمي، وتخدير الشعوب التي ستدفع ضريبة استكانتها وذلّها، من أموالها ورجالها ودمائها وذراريها ومبادئها وعقائدها وأخلاقها.
وقد كانت هذه المبررات ضرورية لها، وذلك لإحكام خطتها في الاستيلاء والتسلط، ولولا ذلك لظلت الشعوب في حالة صراع مستمر لقوى الاحتلال الأجنبي لأرضها، الأمر الذي يجعل قوى الاحتلال في حالة قلق دائم، واضطراب مستمر، ثم لا يمكنها ذلك من تحقيق رغباتها، لأن رغباتها المادية أو المعنوية لا يمكن تحقيقها إلا في جوٍ من الاستقرار والطمأنينة، يضاف إلى ذلك الأعباء المتتابعة التي ستثقل كاهلها من جراء حركات التحرير الوطني، واضطرار السلطة المستولية لإخماد نيرانها المتأججة.
وهكذا تظل صور التسلط المادي المدنس بالمطامع والشهوات والغرائز والأحقاد والنزوات بين باعث عدواني يحرضها، وغلالة مزورة خادعة تسترها