وقد سجل تاريخ الإنسان طائفة من الحروب بين القبائل والشعوب والأمم أدت إلى تسلط بعضها على بعض، واستعباد بعضها لبعض عدواناً وظلماً دون أن يكون الباعث لها غير رعونات وحماقات غضبية جاهلية، ناشئة عن افنعالات نفسية ساذجة، أثارتها أسباب جزئية تافهة، لا تحرك الألوف منها شعباً راقياً متحضراً أثرت فيه التربية الدينية الإلهية بمثلها تربيةً مباشرة. كالأمم المتمسكة برسالاتها الربانية، أو تربية غير مباشرة كالأمم التي احتكت بأتباع الرسالات الربانية. فأخذت عنها فضائل أخلاقية عن طريق السراية والعدوى الطيبة والاقتناع بالمفاهيم التي دعوا إليها.
ومن أمثلة الحروب الانفعالية الطائشة أيام العرب في الجاهلية، وهي أيام حروبهم التي كانت معظم أسبابها أموراً تافهة جداً، وقد ذكر المؤرخون أنها بلغت نحواً من (1700) يوم، ورغم أن هذه الحروب لم يكن من نتائجها التسلط المادي السياسي العام فذلك لأن حياة العرب المائجة في الصحراء لا تسمح بذلك. أما التسلط الذي كان يسمح به شكل حياتهم فقد كان يحصل كالاستيلاء على الأموال وكاسترقاق العبيد والإماء عن طريق السلب والنهب والعدوان والظلم.
ومفاهيم الحضارة الراقية التي جاء بها الإسلام، جعلتنا اليوم نعجب كثيراً لسبب الحروب التي استمرت في الجاهلية بين قبيلتين من قبائل العرب، هما عبس وذبيان، مدة أربعين سنة. وهي الحروب المشتهرة باسم حروب داحس والغبراء، إذ كان سببها على ما يذكر الإخباريون، أن "قيس بن زهير" زعيم قبيلة عبس، و"حمل بن بدر" زعيم قبيلة ذبيان، تراهنا على أن يتسابقا على فرسيهما المسميين: "داحس" و"الغبراء" فاحتال زعيم قبيلة ذبيان بحيلة تساعد فرسه على السبق، فثار قيس زعيم قبيلة عبس، وتفاقم الأمر وحميت العصبيات في النفوس، واهتاج الغضب في كل من القبيلتين، فقامت الحرب بينهما، وتكررت أيامها خلال أربعين سنة.
وهذه الحروب الآثمة الظالمة لم تعدُ أسبابها الأولى أنها نزوة من نزوات الغضب، ثارت ضمن حادثة تسابق بين زعيمين، وهي من الأسباب التي لا تستحق الذكر لتفاهتها.