وربما ثارت حروب طاحنة بين قبيلتين أو بين شعبين، انتصاراً لكرامة رجل أو امرأة، تعرّض أحدهما للإهانة من قبيل شخصٍ من غير قبيلته أ, غير شعبه. وربما ثارت حروبٌ ثأراً لمقتل إنسان، فذهب ضحيتها ألوف القتلى، وسقط فيها ألوف الجرحى. وربما قامت حروب دفع إليها التفاخر بين الأنداد بالشجاعة والقوة وكثرة الأنصار، أو طلب مجد وهمي لا تسنده حقيقة فكرية تقبلها العقول السليمة. وربما قامت حروب دفع إليها شتيمة ظهرت على لسان أحمق طائش. إلى غير ذلك من أسباب تافهة مناظرة لهذه التوافه.
بينما نجد الإسلام ينظر إلى أهم هذه الأسباب وهو القتل بأمثل نظرات الحكمة والعدل، فيقرر مبدأ القصاص من القاتل عمداً وعدواناً، فرداً كان أو جماعة، إلا أن يعفو أولياء القتيل رضاً بالدية، كما ينهى بحزم بالغ عن الإسراف في القتل، وقد ألغى الإسلام بذلك تقاليد الحماقات والرعونات الجاهلية، التي كانت تقتل برجل من قبيلتها أي رجل من القبيلة الأخرى، وقد تأخذ على نفسها أن تقتل بقتيلها عشرات من قبيلة القاتل، وهنا تضرب الحمية في رؤوس الآخرين، فيقابلون بالمثل، ويسرف كل منهما في القتل.
أما الإسلام فإنه يقرر ما يلي:
أولاً: ما تضمنه قول الله تعالى في سورة (البقرة/2 مصحف/87 نزول) :
{وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} .
وبذلك حدد الإسلام مبدأ القصاص، حرصاً على حياة الناس ونبه إلى أن الالتزام بهذا الحكم الرباني من شأنه أن يحافظ على حياة الأفراد والجماعات، لأن من يريد أن يقتل عمداً وعدواناً متى علم أنه سيقتل قصاصاً ارتدع عن القتل وأدرك أنه يقدم على عملية انتحار، وليس كلّ مجرمي القتل يحلو لهم أن ينتحروا. أما حينما يخطر على بالهم أنهم سيعاقبون بالسجن فقط، أو سيقتل غيرهم من أفراد قبيلتهم مكانهم فإن الرادع لهم عن القتل لا بد أن يضعف في نفوسهم.
ثانياً: ما تضمنه قول الله تعالى في سورة (الإسراء/17 مصحف/50 نزول) :