نام کتاب : أصول الدعوة نویسنده : عبد الكريم زيدان جلد : 1 صفحه : 224
فرد أن يبدي رأيه فيما يرى فيه المصلحة أو إزالة مفسدة، وأساس هذا الحق تكليف الشارع لكلِّ مسلم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بل جعل القيام بهذا التكليف من صفات المؤمنين الأصلية، قال تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} ، وقال -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الصحيح المشهور: "من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان"، ومن الواضح أنَّ القيام بهذا الفرض يستلزم تمتع الفرد بحق إبداء رأيه بالمعروف الذي يأمر به، والمنكر الذي يريد تغييره، وهذا الحق للأفراد متمِّمٌ للشورى ومساعد لها، ويتفق مع أهدافها؛ لأن به يعان الخليفة على معرفة الصواب وتجنُّب الخطأ، فقد يفوت أهل الشورى بعض الأمور التي يعرفها غيرهم من أفراد الأمة، وعلى هذا لا يجوز للخليفة أو لغيره من أولياء الأمور الانتقاص من هذا الحق للأفراد، كما لا يجوز للأفراد التنازل عنه أو تعطيله؛ لأنه حق أوتوه من الشرع ليتمكَّنوا من أداء ما افترض عليهم من واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ولهذا كان الحُكَّام الصالحون يربُّون أفراد الأمَّة على حرية الرأي، ويحثُّونهم على هذه الصفة، ويعيبونهم على تركها، قال رجل للإمام عمر بن الخطاب: "اتق الله يا عمر، فقال له عمر: ألا فلتقولوها، ولا خير فينا إن لم نسمعها"، وفي خطبة لأبي بكر -رضي الله عنه: "فإن أحسنت فأعينوني، وإن زغت فقوّموني"[1].
حدود حرية الرأي:
357- وحق الأفراد في إبداء آرائهم في تصرفات الخليفة له حدود وضوابط، الأول: أن يكون قصد صاحبه بذل النصح الخالص للخليفة، جاء في الحديث الصحيح الذي رواه الإمام مسلم أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "الدين النصحية"، قلنا: لمن؟ قال: "لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامَّتهم"، فلا يجوز للفرد أن يقصد في بيان رأيه في تصرفات الحكام التشهير بهم، أو تكبير سيئاتهم، أو انتقاصهم، أو تجريء الناس عليهم، أو نحو ذلك من المقاصد الباطلة التي لا يراد بها وجه الله، ولا الخير للمنصوح، ولا المصلحة للأمة. [1] الطبقات الكبرى لابن سعد ج3 ص183.
نام کتاب : أصول الدعوة نویسنده : عبد الكريم زيدان جلد : 1 صفحه : 224