(قالت الوهابية إن الشفاعة للأنبياء، والأولياء منقطعة في الدنيا، وإنما هي ثابتة لهم في الآخرة، فلو جعل العبد بينه وبين الله وسائط من عباده يسألهم الشفاعة كان ذلك شركا وعبادة لغير الله، فاللازم أن يوجه العبد دعاءه إلى ربه ويقول: اللهم اجعلنا ممن تناله شفاعة محمد صلى الله عليه وسلم ولا يجوز له أن يقول يا محمد اشفع لي عند الله) -ثم ذكر أدلتهم على ذلك-.
ثم قال: (وقالت الإمامية إن الشفاعة ثابتة للنبي صلى الله عليه وسلم وصالح المؤمنين، والملائكة المقربين، فيجوز الاستشفاع بهم إلى الله تعالى لنهوض الكتاب والسنة عليه ...
وقول ابن عبد الوهاب: إن الله أعطى نبيه الشفاعة، ولكن نهاك عن الاستشفاع به ... كلام شعري مبناه الخيال، فإنه مثل أن يقول إن الله تعالى أعطى نبيه صلى الله عليه وآله وسلم يوم القيامة سقاية الحوض، ولكن نهى الناس عن الورود عليه، والاستسقاء منه.
وقوله تعالى: {مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا} [1] دلت على جواز وقوع الشفاعة الحسنة من المؤمنين، بعضهم في حق بعض، ومتى جاز، جاز التوسل بالشفيع ولو كان ذلك شركا لما صح الإذن في الشفاعة لا عقلا ولا سمعا مع أنها مأذون فيها ومرغب إليها بقوله سبحانه: {يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا} [2][3].
ويجوز عبد الرءوف الرافضي الاستشفاع بمحمد صلى الله عليه وسلم إلى الله فيقول:
(وقد جوز الشرع الاستشفاع به إلى الله، وليس فيه شرك ولا هو دين المشركين أصلا، ونوضح المقال بضرب من المثال ونقول:
ولا شك أن السجود لغير الله شرك، وقد أمر الله تعالى ملائكته المقربين أجمعين أن يسجدوا لآدم، فانقادوا كلهم أجمعون، فصار سجودهم لغير الله الذي كان كفرا وشركا لولا أمر الله، طاعة مقبولة عند الله، وخاتم الأنبياء خير من فاتح الأنبياء، بل من سائر الأنبياء، والاستشفاع به أيسر من السجود..) [4].
ويدعي العاملي جواز طلب الشفاعة من كل مؤمن حيا أو ميتا، لأنه كطلب الدعاء فيقول:
(فطلب الشفاعة من الغير، كطلب الدعاء منه. وقد ثبت جواز طلب الدعاء من [1] سورة النساء آية: 85. [2] سورة النساء آية: 85.
3 "البراهين الجلية"، ص 17، 18.
4 "فصل الخطاب"، ق 39، باختصار.