إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا صلى الله عليه وسلم لا يملك لنفسه نفعا، ولا ضرا، فضلا عن عبد القادر أو غيره، ولكن أنا مذنب والصالحون لهم جاه عند الله وأطلب من الله بهم.
فجوابه هو أن الذين قاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم مقرون بما ذكرت، ومقرون أن أوثانهم لا تدبر شيئا، وإنما أرادوا الجاه، والشفاعة، كما في القرآن. فإن قال هؤلاء الآيات إنما نزلت فيمن يعبد الأصنام. كيف تجعلون الصالحين مثل الأصنام؟ أم كيف تجعلون الأنبياء أصناما فجاوبه بما تقدم ... فإنه إذا أقر أن الكفار يشهدون بالربوبية كلها، وأنهم ما أرادوا ممن قصدوا إلا الشفاعة، ولكن أراد أن يفرق بين فعله، وفعلهم بما ذكر- فاذكر له أن الكفار منهم من يدعو الأصنام، ومنهم من يدعو الأولياء الذين قال الله فيهم: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ} [1] ويدعون عيسى ابن مريم وأمه، ويدعون الملائكة..
فقل له: أعرفت أن الله كفر من قصد الأصنام، وكفر أيضا من قصد الصالحين وقاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم. فإن قال: الكفار يريدون منهم وأنا أشهد أن الله هو النافع الضار المدبر، لا أريد إلا منه، والصالحون ليس لهم من الأمر شيء، ولكن أقصدهم أرجو من الله شفاعتهم. فالجواب أن هذا قول الكفار سواء بسواء، واقرأ عليه قوله تعالى: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [2] وقوله تعالى: {وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} [3] واعلم أن هذه الشبهة أكبر ما عندهم) [4].
ويقرر الشيخ الشفاعة، ويثبتها، ويذكر شرطي الشفاعة، ثم يرد على من قال إن الله أعطى الشفاعة محمدا فأطلبها منه، يقول رحمه الله:
(فإن قال أتنكر شفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتبرأ منها؟ فقل لا أنكرها ولا أتبرأ منها، بل هو صلى الله عليه وسلم الشافع المشفع، وأرجو شفاعته، ولكن الشفاعة كلها لله، كما قال تعالى: {قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعاً} [5] ولا تكون إلا من بعد إذن الله كما قال عزوجل: {مَنْ [1] سورة الإسراء آية: 57. [2] سورة الزمر آية: 3. [3] سورة يونس آية: 18.
4 "مجموعة مؤلفات الشيخ، 1/161. وانظر: ما كتبه الشيخ الإمام في بيان أن الكفار الذين قاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قصدوا الأصنام إلا لطلب القربة والشفاعة ... "مجموعة مؤلفات الشيخ" 1/200، 398. [5] سورة الزمر آية: 44.