ركزوا السارية التي تحمل علم العشيرة في سرّة الحفل، فينتهي بهم هذا الحماس الصاخب إلى الذهول والهذيان، بل يفضي بهم إلى انتهاك سياج المحرّمات الجنسية، التي يحترمونها في العادة أشدّ الاحترام.
وربما نسبوا هذا التطور العجيب إلى حضور سر الأجداد فيهم عن طريق هذا الرمز، وعبادتهم للروح التي يرمز إليها، ظناً منهم أنها هي التي أحدثت فيهم هذا التحول الروحي الغريب.
بعد أن يعرض "دوركايم" هذا يقول: ها هنا، وها هنا فقط، تتدخّل النظرية لكشف الغشاوة عن أعينهم، وتنبههم إلى ما حدث من تحوّل شعورهم عن منبعه وهدفه الحقيقيين، وأنهم إذا كان يتوجهون بعبادتهم لمصدر هذا الأثر الجديد، فليعلموا أنه ليس هو النُّصب، ولا ما يرمز إليه النُّصب، وإنّما هو هذا الاجتماع الثائر نفسه، فإن من طبيعة هذه الاجتماعات أن تنسلخ النفوس عن مشخّصاتها الفردية، وتنمحي كلها في شخصية واحدة، هي شخصية الجماعة.
وهكذا يكون الاجتماع هو مبدأ التديّن، وغايته، وتكون الجماعة إنما تعبد نفسها من حيث لا تشعر.
(4)
كشف الزيف
أولاً: أما إصراره على تفسير أية ظاهرة اجتماعية تفسيراً مادياً قائما على إنكار الخالق جل وعلا، فلا داعي هنا لتخصيصه بمناقشة تكشف فساد مذهبه من هذه الناحية.
فقد أفردت بحثاً خاصاً في هذا السفر لمناقشة الملاحدة الماديين، فهو في المذهب المادي الذي يتبناه يدخل في عمومهم. وكشفُ زيوفهم جميعأً هو كَشْفٌ لزيف كل واحد منهم.
* * *
ثانياً: وأما اختراعه لفكرة "العقل الجمعي" فهو تخيُّلٌ خرافي مجرّد من أي دليل عقلي أو علمي.