بخلاف ظاهرة الدين، فإن المخاوف قد تحرك الفطرة للتعلق بأسباب الأمن، وعندها يأتي منطق العقل باحثاً عن القوة الغيبية التي تملك هذا الأمن، ولسنا ندّعي أن العقل وحده سيصل حتماً إلى كمال الحقيقة عن طريق البحث، إلا أنه سيتجه شطرها بحسب تنبيه الفطرة.
ثمّ قد يصل إذا سار سيراً صحيحاً، كما وصل كثير من أهل الفكر الصحيح من فلاسفة وغيرهم، وقد يضلّ في بعض الطريق كما ضلّ الوثنيون والمشاركون وأصحاب الأديان الخرافية.
الأمر الرابع: إن تدخل الوهم عند الخوف يفسد ولا يصلح، ويوقع في التهلكة، ولا يكون سبباً في تحقيق الأمن.
ويلاحظ هذا في حالة المشي على عمود ممتد فوق جدارين مرتفعين بينهما هُوّة، أو على جسر ضيق جداً، فمنطق العقل يسمح بالاجتياز المطمئن، لأنه يقرّر أن الجسر لو كان قريباً من الأرض لاجتازه السائر عليه، دون أن يخطر في باله احتمال السقوط، فهو يسرع في مشيه مطمئناً آمناً.
وفي حالة ارتفاعه يتدخل الوهم، فيشتد الخوف، فيسقط الماشي على العمود أو على الجسر فيهلك أو يصاب بأذى.
كذلك سائق السيارة، إذا خاف وتدخل الوهم في صناعة أفكاره بعيداً عن منطق العقل.
إلى غير ذلك من أمثلة كثيرة لا تحصى في الواقع الإنساني، يلاحظ فيها أن تدخُّل الوهم يدفع إلى التهلكة.
نعم. قد تكون الشجاعة أو الجرأة من عوامل الإقدام ضد مثبطات منطق العقل أحياناً، لكن الأوهام تجلب فرط الجبن المثبط أكثر من منطق العقل. والشجاعة أمل ورغبة وشعور بالقوة الكافية، بخلاف الجبن، فهو وهم وشعور بالضعف، وغشاوة على منطق العقل.