الأمر الخامس: إن قصة المرأة صاحبة المصعد إن صحت كما ذكر "برجسون"، فهي نادرة قد لا تتكرر في حياة الناس.
وعكس ما حصل لها هو الأمر الذي يتكرر كثيراً، فكم من الناس سقطوا في بئر المصعد بمثل هذه الحادثة، ولم يظهر لهم هذا الحارس الوهمي، بل تحطموا وتهشموا وأصيبوا من جراء سقوطهم بإصابات خطيرة، وبعضهم أودت بحياته.
إن الحوادث الكثيرة التي تحدث لمعظم الناس عند المخاوف المفاجئة تقدّم دليلاً لنقض ما ذكر "برجسون" تماماً.
ذلك لأن الإنسان عندئذٍ تتجه غريزته بسرعة، ومن دون وعيٍ في العقل الظاهر إلى اتخاذ أسباب النجاة، ثمّ تأتي بعد ذلك صحوة الفكر للتعلّق بالأسباب الحقيقية الكاملة التي تكون بها النجاة.
فمن أمثلة ذلك ما يلي:
1- نكون نازلين على درج أو سلّم، فننزل وفق خطة منتظمة، ثمّ قد نفاجأ بأن إحدى الدرجات مكسورة، أو مفقودة، ونشعر بالأمر حينما تهوي رجلنا أكثر من المسافة التي اعتدناها في نظام الدرجات.
عندئذٍ تندفع الغريزة فينا اندفاعاً غير واعٍ إلى التمسُّك بأي شيء في جوار أيدينا خشية السقوط.
وهذا حقاً من الفطر المسعفة التي تسبق الفكر الواعي، ولكن قد يكون الذي نمسك به خشية السقوط أشد خطراً من السقوط نفسه.
ثمّ يصل الأمر إلى منطقة الفكر الواعي، فإن بقي من الوقت شيء يصلح للتدارك، أخذ العقل يفكّر بأسباب صحيحة للحماية من الخطر.
2- كذلك يحصل لدينا إذا هبت نارٌ مفاجئة فيها خطر علينا، أو داهم عدوّ بشكل مفاجئ، أو حدث أي حادثٍ مخيف فيه خطر.
هذه أحداث تتكرر دائماً في حياة الناس، وفيها دليل يثبت عكس ما ذهب إليه "برجسون".
وباستطاعتنا أن نقول: على مثل هذه الحوادث قد تبرز ظاهرة الدين عند المخاوف العظمى التي تنقطع معها الأسباب الإنسانية، فهي تحدث