نام کتاب : مذاهب فكرية معاصرة نویسنده : قطب، محمد جلد : 1 صفحه : 311
لفهم كل "معطيات" المادية الجدلية والتفسير المادي للتاريخ، إنها -في الغالبية العظمى منها- ليست منطقية في ذاتها ولكنها منطقية مع الهدف المقصود منها. أي: إن النتيجة المطلوبة توضع أولا، ثم تساق الأدلة إليها سوقا وتحشر إلى جانب بعضها البعض حشرا، سواء كانت متناسقة أو متنافرة، وسواء كانت مؤدية بالفعل إلى النتائج المطلوبة أم غير مؤدية! إنما تلوى رقاب الأدلة ليا لتؤدي -بالقوة- إلى الهدف المطلوب، ثم يقال للناس إنها نظرية "علمية" وتفسير "علمي"!
المطلوب أولا هو نشر الإلحاد الكامل الذي لا رجعة منه، وإزالة أي أثر من آثار الدين الذي يمكن أن يكون مندسا هنا أو هناك، وإزالة أي أثر لتوقير "الخالق" من النفوس.
فحتى تسمية الخالق بالطبيعة -وهو المهرب الذي هربت به أوروبا من إله الكنيسة كما أشرنا من قبل- لم يبد كافيا في نظر المخططين لاستحمار الأمميين، وكان في حاجة إلى خطوة "تقدمية" أخرى تتقدم به نحو الهدف المطلوب.
فمع الإلحاد المتمثل في نفي الخلق عن الله ونسبته إلى الطبيعة كانت ما تزال هناك "وجدانات" تنبض تجاه ذلك الخالق تخرج أحيان في صورة فن، وأحيانا في صورة توقيرة لقوة أعلى من الإنسان. ويخشى إذا بقيت الأمور عند هذا الحد أن تتعقل البشرية ذات يوم وتكف عن مغالطة نفسها، وتعود إلى الله[1].
ولكن يراد إزالة هذه البقية الباقية تماما ... فيتحول الخالق إلى مادة ... ويقال للناس: لا إله! والكون مادة!
فإذا انتفى وجود الله تماما -بزعمهم- ولم يعد هناك إلى المادة فالمادة لا تثير الوجدان ولا تستحق التوقير، ومن ثم يتخلصون من ذلك العدو المرهوب، الذي لا يخافون من شيء على الإطلاق خيفتهم منه.. ألا وهو الدين!
والمطلوب ثانيا -كما سنرى في الحديث عن القضية الثانية- هو تحقير الإنسان وإزالة الكرامة عنه، فإنه إذا أحس بكرامته فسيصعب ركوبه كما تركب الحمير؛ لأنه سيكون معتزا بإنسانيته غير قابل للانسياق كالدواب.
ووسائل التحقير كثيرة كما سنراها في القضية الخاصة بالتفسير المادي [1] عاد بعض علماء الجاهلية المعاصرة بالفعل كما سيجئ بعد قليل.
نام کتاب : مذاهب فكرية معاصرة نویسنده : قطب، محمد جلد : 1 صفحه : 311