نام کتاب : مذاهب فكرية معاصرة نویسنده : قطب، محمد جلد : 1 صفحه : 50
وأيا كان السبب فقد وقفت الكنيسة من العلم والعلماء ذلك الموقف الشائن الذي ترتبت عليه -ككل خطايا الكنيسة وأخطائها- نتائج بعيدة المدى في الحياة الأوروبية حتى اللحظة الراهنة.. فقد بدأ منذ تلك اللحظة الفصام الأحمق بين العلم والدين الذي ما يزال يغشى بدخانه الأسود حياة أوروبا حتى اليوم.
إن جريمة الكنيسة -فوق تشويه صورة الدين وتنفير الناس منه، الذي تلتقي عنده وتنتهي إليه كل جرائمها- أنها تفصل بين نزعتين فطريتين سويتين متكاملتين -نزعة التعلم ونزعة العبادة- وتنشئ بينهما عداوة لا وجود لها في أصل الفطرة، وصداما لا ينبغي أن يوجد في النفس السوية، فتمزق النفس الواحدة مزقًا وتثير في داخلها القلق والاضطراب.
لقد خلق الله الإنسان مفطورًا على حب المعرفة كما خلقه مفطورًا على العبادة:
{وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آَدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا} [1].
{وَعَلَّمَ آَدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا} [2].
{اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ, الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ, عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [3].
وفي النفس السوية تتجاور النزعتان وتتكاملان بلا تصادم ولا تضاد. فالفطرة تتطلع إلى ربها لتعبده، والفطرة تتطلع إلى الكون من حولها تحب أن تتعرف عليه، وأدواتها هي الحس والعقل:
{وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [4].
وتلتقي نزعة الإيمان بالغيب والإيمان بما تدركه الحواس، وتؤديان مهمتهما معًا في تشكيل إنسانية الإنسان على الصورة التي أرادها الله له، وكرمه بها وفضله على كثير من الخلق.
ولكن الكنيسة بموقفها الأحمق -أيا كانت الأسباب التي دفعتها إليه- راحت [1] سورة الأعراف: 172. [2] سورة البقرة: 31. [3] سورة العلق: 3-5. [4] سورة النحل: 78.
نام کتاب : مذاهب فكرية معاصرة نویسنده : قطب، محمد جلد : 1 صفحه : 50