responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الحسبة لابن تيمية - ت الشحود نویسنده : ابن تيمية    جلد : 1  صفحه : 381
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= - صلى الله عليه وسلم -: " مَا أَسْكَرَ كَثِيره فَقَلِيله حَرَام "، وَلَمْ يُفَرِّق - صلى الله عليه وسلم - بَيْن نَوْع وَنَوْع كَكَوْنِهِ مَأْكُولًا أَوْ مَشْرُوبًا عَلَى أَنَّ الْخَمْر قَدْ تُؤْكَل بِالْخُبْزِ، وَالْحَشِيشَة قَدْ تُذَاب وَتُشْرَب اِنْتَهَى كَلَام الذَّهَبِيّ. هَذَا آخِر كَلَام اِبْن حَجَر الْمَكِّيّ مُلَخَّصًا
قُلْت قَوْل اِبْن حَجَر الْمَكِّيّ هَذَا مُبَالَغَة عَظِيمَة، فَإِنَّهُ عَدَّ الْعَنْبَر وَالزَّعْفَرَان مِنْ الْمُسْكِرَات وَجَعَلَ اِسْتِعْمَالهَا مِنْ الْكَبَائِر كَالْخَمْرِ، وَهَذَا كَلَام بَاطِل وَسَاقِط الِاعْتِبَار، وَلَمْ يَثْبُت قَطّ عَنْ الْأَئِمَّة الْقُدَمَاء مِنْ الْعُلَمَاء بِالنَّبَاتِ سُكْرهمَا كَمَا سَيَجِيءُ وَقَدْ عَرَفْت مَعْنَى السُّكْر مِنْ أَقْوَال الْعُلَمَاء، وَلَيْسَ فِي تَعْرِيف السُّكْر تَغْطِيَة الْعَقْل بِنَوْعٍ مَا كَمَا فَهِمَهُ اِبْن حَجَر الْمَكِّيّ، بَلْ بِوَجْهٍ يُعَطِّل عَقْله الْمُمَيِّز بَيْن الْأُمُور الْحَسَنَة وَالْقَبِيحَة أَوْ مَعَ ذَلِكَ يَحْصُل لَهُ بِهِ الطَّرَب وَالنَّشَاط وَالْعَرْبَدَة وَغَيْر ذَلِكَ. وَقَوْله وَبِمَا قَرَّرْته فِي مَعْنَى الْإِسْكَار فِي هَذِهِ الْمَذْكُورَات عُلِمَ أَنَّهُ لَا يُنَافِي أَنَّ هَذِهِ الْمَذْكُورَات تُسَمَّى مُخَدِّرَة.
قُلْت: لَمْ يَثْبُت قَطّ أَنَّ كُلّ الْمَذْكُورَات بِأَجْمَعِهَا فِيهَا سُكْر، وَثَبَتَ فِي مَحَلّه أَنَّ السُّكْر غَيْر الْخَدَر فَإِطْلَاق السُّكْر عَلَى الْخَدَر غَيْر صَحِيح، فَإِنَّ الْخَدَر هُوَ الضَّعْف فِي الْبَدَن وَالْفَتَر الَّذِي يُصِيب الشَّارِب قَبْل السُّكْر كَمَا صَرَّحَ بِهِ اِبْن الْأَثِير فِي النِّهَايَة فَأَنَّى يَصِحّ الْقَوْل بِأَنَّ هَذِهِ الْمَذْكُورَات تُسَمَّى مُسْكِرَة وَمُخَدِّرَة.
وَقَوْله: وَالْأَصْل فِي تَحْرِيم كُلّ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ أَحْمَد وَأَبُو دَاوُدَ إِلَى آخِره.
قُلْت: إِنَّا نُسَلِّم أَنَّ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عَنْ كُلّ مُسْكِر وَمُفَتِّر، بَلْ وَنَهَى عَنْ كُلّ مُخَدِّر أَيْضًا، وَقَدْ ثَبَتَ عَنْهُ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّ مَا أَسْكَرَ كَثِيره فَقَلِيله مِنْهُ حَرَام، وَمَا ثَبَتَ عَنْهُ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّ مَا أَفْتَرَ كَثِيره فَقَلِيله مِنْهُ حَرَام أَوْ مَا خَدَّرَ كَثِيره فَقَلِيله مِنْهُ حَرَام، وَلَيْسَ الْمُسْكِر وَالْمُخَدِّر وَالْمُفَتِّر شَيْئًا وَاحِدًا، وَاَلَّذِي يُسْكِر فَكَثِيره وَقَلِيله سَوَاء فِي الْحُرْمَة، وَالَّذِي يُفَتِّر أَوْ يُخَدِّر فَلَا يَحْرُم مِنْهُمَا إِلَّا قَدْر التَّفْتِير أَوْ قَدْر التَّخْدِير.
وَيُؤَيِّدهُ مَا أَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْم كَمَا فِي كَنْز الْعُمَّال عَنْ الْحَكَم بْن عُتَيْبَة عَنْ أَنَس بْن حُذَيْفَة صَاحِب الْبَحْرَيْنِ قَالَ " كَتَبْت إِلَى رَسُول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - أَنَّ النَّاس قَدْ اِتَّخَذُوا بَعْد الْخَمْر أَشْرِبَة تُسْكِرهُمْ كَمَا تُسْكِر الْخَمْر مِنْ التَّمْر وَالزَّبِيب يَصْنَعُونَ ذَلِكَ فِي الدُّبَّاء وَالنَّقِير وَالْمُزَفَّت وَالْحَنْتَم، فَقَالَ رَسُول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - إِنَّ كُلّ شَرَاب أَسْكَرَ حَرَام، وَالْمُزَفَّت حَرَام، وَالنَّقِير حَرَام، وَالْحَنْتَم حَرَام، فَاشْرَبُوا فِي الْقِرَب وَشُدُّوا الْأَوْكِيَة، فَاتَّخَذَ النَّاس فِي الْقِرَب مَا يُسْكِر، فَبَلَغَ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَامَ فِي النَّاس فَقَالَ إِنَّهُ لَا يَفْعَل ذَلِكَ إِلَّا أَهْل النَّار، أَلَا إِنَّ كُلّ مُسْكِر حَرَام، وَكُلّ مُفَتِّر وَكُلّ مُخَدِّر حَرَام، وَمَا أَسْكَرَ كَثِيره فَقَلِيله حَرَام.
وَفِي رِوَايَة لِأَبِي نُعَيْم عَنْ أَنَس بْن حُذَيْفَة " أَلَا إِنَّ كُلّ مُسْكِر حَرَام وَكُلّ مُخَدِّر حَرَام وَمَا أَسْكَرَ كَثِيره حَرُمَ قَلِيله وَمَا خَمَّرَ الْعَقْل فَهُوَ حَرَام اِنْتَهَى " فَانْظُرْ رَحِمَك اللَّه تَعَالَى وَإِيَّايَ بِعَيْنِ الْإِنْصَاف أَنَّ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ " أَلَا إِنَّ كُلّ مُسْكِر حَرَام، وَكُلّ مُفَتِّر وَكُلّ مُخَدِّر حَرَام، وَمَا أَسْكَرَ كَثِيره فَقَلِيله حَرَام " فَالنَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - صَرَّحَ أَوَّلًا بِالْحُرْمَةِ عَلَى كُلّ مِنْ الْمُسْكِر وَالْمُفَتِّر وَالْمُخَدِّر ثُمَّ عَقَّبَ بِقَوْلِهِ " إِنَّ مَا أَسْكَرَ كَثِيره فَقَلِيله حَرَام " وَمَا قَالَ إِنَّ مَا أَفْتَرَ كَثِيره فَقَلِيله حَرَام أَوْ مَا خَدَّرَ كَثِيره فَقَلِيله حَرَام، وَالسُّكُوت عَنْ الْبَيَان فِي وَقْت الْحَاجَة لَا يَجُوز، فَذَكَرَ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم - حُرْمَة هَذِهِ الْأَشْيَاء الثَّلَاثَة فِي وَقْت وَاحِد، ثُمَّ فِي ذِكْره لِحُرْمَةِ قَلِيل مِنْ الْمُسْكِر وَعَدَم ذِكْره لِحُرْمَةِ قَلِيل مِنْ الْمُفَتِّر وَالْمُخَدِّر أَبْيَنُ دَلِيل وَأَصْرَحُ بَيَان عَلَى أَنَّ حُكْم قَلِيل مِنْ الْمُفَتِّر وَحُكْم قَلِيل مِنْ الْمُخَدِّر غَيْر حُكْم قَلِيل مِنْ الْمُسْكِر، فَإِنَّ قَلِيلًا مِنْ الْمُسْكِر يَحْرُم، وَقَلِيلًا مِنْ الْمُخَدِّر وَالْمُفَتِّر لَا يَحْرُم وَاَللَّه أَعْلَمُ.
وَقَوْله إِنَّ الْإِسْكَار يُطْلَق وَيُرَاد بِهِ مُطْلَق تَغْطِيَة الْعَقْل وَهَذَا إِطْلَاق أَعَمُّ.
قُلْت: إِنْ أَرَادَ بِتَغْطِيَةِ الْعَقْل وَفَتَر الْأَعْضَاء وَاسْتِرْخَائِهَا فَهُوَ يُسَمَّى مُخَدِّرًا وَلَا يُسَمَّى بِمُسْكِرٍ، وَإِنْ أَرَادَ بِتَغْطِيَةِ الْعَقْل مُخَامَرَةَ الْعَقْل بِحَيْثُ لَا يَسْتَطِيع الْإِنْسَان الْعَمَل بِمُوجَبِ عَقْله وَلَا يُمَيِّز بَيْن الْأُمُور الْحَسَنَة وَالْقَبِيحَة فَهُوَ يُسَمَّى مُسْكِرًا وَلَا يُسَمَّى مُخَدِّرًا
وَقَوْله فَعَلَى الْإِطْلَاق الْأَوَّل بَيْن الْمُسْكِر وَالْمُخَدِّر عُمُوم مُطْلَق.
قُلْت: إِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْمُسْكِر غَيْر الْمُخَدِّر فَلَا يُقَال بَيْنهمَا عُمُوم مُطْلَق، فَإِنَّ النُّعَاس مُقَدِّمَة النَّوْم، فَمَنْ نَعَسَ لَا يُقَال لَهُ إِنَّهُ نَائِم فَلَيْسَ كُلّ مُخَدِّر مُسْكِرًا كَمَا لَيْسَ كُلّ مُسْكِر مُخَدِّرًا، وَيُؤَيِّدهُ مَا أَخْرَجَهُ اِبْن رَاهْوَيْهِ كَمَا فِي كَنْز الْعُمَّال عَنْ سُفْيَان بْن وَهْب الْخَوْلَانِيِّ، قَالَ: كُنْت مَعَ عُمَر بْن الْخَطَّاب بِالشَّامِ فَقَالَ أَهْل الذِّمَّة إِنَّكَ كَلَّفْتنَا وَفَرَضْت عَلَيْنَا أَنْ نَرْزُق الْمُسْلِمِينَ الْعَسَل وَلَا نَجِدهُ، فَقَالَ عُمَر إِنَّ الْمُسْلِمِينَ إِذَا دَخَلُوا أَرْضًا فَلَمْ يُوَطِّنُوا فِيهَا اِشْتَدَّ عَلَيْهِمْ أَنْ يَشْرَبُوا الْمَاء الْقَرَاح فَلَا بُدّ لَهُمْ مِمَّا يُصْلِحهُمْ، فَقَالُوا إِنَّ عِنْدنَا شَرَابًا نُصْلِحهُ مِنْ الْعِنَب شَيْئًا يُشْبِه الْعَسَل، قَالَ فَأَتَوْا بِهِ فَجَعَلَ يَرْفَعهُ بِأُصْبُعِهِ فَيَمُدّهُ كَهَيْئَةِ الْعَسَل فَقَالَ كَأَنَّ هَذَا طِلَاء الْإِبِل، فَدَعَا بِمَاءٍ فَصَبَّهُ عَلَيْهِ ثُمَّ خَفَضَ فَشَرِبَ مِنْهُ وَشَرِبَ أَصْحَابه وَقَالَ مَا أَطْيَبَ هَذَا فَارْزُقُوا الْمُسْلِمِينَ مِنْهُ، فَأَرْزَقُوهُمْ مِنْهُ، فَلَبِثَ مَا شَاءَ اللَّه، ثُمَّ إِنَّ رَجُلًا خَدِرَ مِنْهُ فَقَامَ الْمُسْلِمُونَ فَضَرَبُوهُ بِنِعَالِهِمْ وَقَالُوا سَكْرَان، فَقَالَ الرَّجُل: لَا تَقْتُلُونِي فَوَاَللَّهِ مَا شَرِبْت إِلَّا الَّذِي رَزَقَنَا عُمَر، فَقَامَ عُمَر بَيْن ظَهْرَانَيْ النَّاس فَقَالَ يَا أَيّهَا النَّاس إِنَّمَا أَنَا بَشَر لَسْت أُحِلّ حَرَامًا وَلَا أُحَرِّم حَلَالًا، وَإِنَّ رَسُول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قُبِضَ فَرُفِعَ الْوَحْي، فَأَخَذَ عُمَر بِثَوْبِهِ =
نام کتاب : الحسبة لابن تيمية - ت الشحود نویسنده : ابن تيمية    جلد : 1  صفحه : 381
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست