responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الحسبة لابن تيمية - ت الشحود نویسنده : ابن تيمية    جلد : 1  صفحه : 382
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= فَقَالَ إِنِّي أَبْرَأ إِلَى اللَّه مِنْ هَذَا أَنْ أُحِلّ لَكُمْ حَرَامًا فَاتْرُكُوهُ فَإِنِّي أَخَاف أَنْ يَدْخُل النَّاس فِيهِ مَدْخَلًا، وَقَدْ سَمِعْت رَسُول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يَقُول كُلّ مُسْكِر حَرَام فَدَعُوهُ.
فَهَذَا عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَدْ فَرَّقَ بَيْن السُّكْر وَالْخَدَر، وَمَا زَجَرَ لِلرَّجُلِ الَّذِي تَخَدَّرَ بَعْد شُرْب الطِّلَاء قَائِلًا بِأَنَّك شَرِبْت الْمُسْكِر بَلْ قَالَ لِلضَّارِبِينَ لَهُ اُتْرُكُوهُ، ثُمَّ قَالَ عُمَر سَمِعْت رَسُول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - يَقُول " كُلّ مُسْكِر حَرَام ". وَلَمَّا كَانَ عِنْد عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ الْفَرْق بَيْن السُّكْر وَالْخَدَر أَمْر مُحَقَّق قَالَ هَذَا الْقَوْل وَاحْتَجَّ بِهَذَا الْحَدِيث عَلَى التَّفْرِقَة بَيْنهمَا إِطْلَاقًا، وَعَلَى أَنَّ كُلّ مُسْكِر حَرَام، وَلَيْسَ كُلّ مُخَدِّر حَرَامًا، فَهَذَا الْأَثَر وَاسْتِدْلَال عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ بِهَذَا الْحَدِيث يَدُلّ عَلَى التَّفْرِقَة بَيْن السُّكْر وَالْخَدَر إِطْلَاقًا، وَعَلَى أَنَّ الْحُرْمَة لَيْسَتْ مُشْتَرِكَة بَيْن الْمُسْكِر وَالْمُخَدِّر، وَإِنَّمَا عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ الْمُخَدِّر لَيْسَ كَالْمُسْكِرِ فِي الْحُرْمَة لِعَدَمِ بُلُوغه الْخَبَر، وَهُوَ نَهْيُ رَسُول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - لَهُ عَنْ كُلّ مُسْكِر وَمُفَتِّر أَوْ لِعَدَمِ صِحَّة هَذَا الْخَبَر عِنْده، وَعَلَى كُلّ حَال فَرَّقَ عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ بَيْن الْمُخَدِّر وَالْمُسْكِر وَإِنْ كَانَ الْمُخَدِّر عِنْده مُسْكِرًا لَمَا سَكَتَ عَنْ الرَّجُل وَلَمَا أَمَرَ بِتَرْكِ ضَرْبه.
وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مُخْتَصَرًا مِنْ طَرِيق سُوَيْد بْن غَفَلَة قَالَ كَتَبَ عُمَر بْن الْخَطَّاب إِلَى بَعْض عُمَّاله أَنْ أَرْزِقْ الْمُسْلِمِينَ مِنْ الطِّلَاء مَا ذَهَبَ ثُلُثَاهُ وَبَقِيَ ثُلُثه.
وَأَخْرَجَ مَالِك فِي الْمُوَطَّأ حَدِيث شُرْب الطِّلَاء بِنَحْوٍ آخَر عَنْ مَحْمُود بْن لَبِيد الْأَنْصَارِيّ أَنَّ عُمَر بْن الْخَطَّاب حِين قَدِمَ الشَّام فَشَكَا إِلَيْهِ أَهْل الشَّام وَبَاء الْأَرْض وَثِقَلهَا وَقَالُوا لَا يُصْلِحنَا إِلَّا هَذَا الشَّرَاب، فَقَالَ عُمَر اِشْرَبُوا الْعَسَل، فَقَالُوا لَا يُصْلِحنَا الْعَسَل، فَقَالَ رَجُل مِنْ أَهْل الْأَرْض هَلْ لَك أَنْ تَجْعَل لَنَا مِنْ هَذَا الشَّرَاب شَيْئًا لَا يُسْكِر؟ قَالَ نَعَمْ فَطَبَخُوهُ حَتَّى ذَهَبَ مِنْهُ الثُّلُثَانِ وَبَقِيَ الثُّلُث، فَأَتَوْا بِهِ عُمَر فَأَدْخَلَ فِيهِ عُمَر أُصْبُعه ثُمَّ رَفَعَ يَده فَتَبِعَهَا يَتَمَطَّط فَقَالَ هَذَا الطِّلَاء هَذَا مِثْل طِلَاء الْإِبِل، فَأَمَرَهُمْ عُمَر أَنْ يَشْرَبُوهُ، فَقَالَ لَهُ عُبَادَةُ بْن الصَّامِت أَحْلَلْتهَا وَاَللَّه، فَقَالَ عُمَر كَلَّا وَاَللَّه اللَّهُمَّ إِنِّي لَا أُحِلّ لَهُمْ شَيْئًا حَرَّمْتَهُ عَلَيْهِمْ، وَلَا أُحَرِّم عَلَيْهِمْ شَيْئًا أَحْلَلْتَهُ لَهُمْ اِنْتَهَى.
قُلْت: الطِّلَاء بِكَسْرِ الطَّاء الْمُهْمَلَة وَالْمَدّ هُوَ مَا طُبِخَ مِنْ الْعَصِير حَتَّى يَغْلُظ، وَشُبِّهَ بِطِلَاءِ الْإِبِل وَهُوَ الْقَطِرَان الَّذِي يُطْلَى بِهِ الْجَرَب، كَذَا فِي مُقَدِّمَة الْفَتْح. وَهَذَا الْأَثَر فِيهِ دَلِيل عَلَى الَّذِي أَحَلَّهُ عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ مِنْ الطِّلَاء، وَالْمُثَلَّث الْعِنَبِيّ مَا لَمْ يَكُنْ يَبْلُغ حَدّ الْإِسْكَار وَالتَّخْدِير عِنْده لَيْسَ فِي حُكْم الْإِسْكَار، فَلِذَا شَرِبَ عُمَر بِنَفْسِهِ الطِّلَاء وَأَمَرَ إِلَى عُمَّاله أَنْ اُرْزُقْ الْمُسْلِمِينَ مِنْ الطِّلَاء، وَمَا زَجَرَ الرَّجُلَ الَّذِي حَصَلَ لَهُ مِنْ شُرْبه الْخَدَر وَمَا تَعَرَّضَ لَهُ عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ عَلَى هَذَا الْفِعْل كَمَا تَقَدَّمَ.
وَأَمَّا إِذَا بَلَغَ الطِّلَاء حَدّ الْإِسْكَار فَلَمْ يَحِلّ عِنْد عُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ كَمَا أَخْرَجَ مَالِك فِي الْمُوَطَّأ عَنْ اِبْن شِهَاب عَنْ السَّائِب بْن يَزِيد أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ عُمَر بْن الْخَطَّاب خَرَجَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ إِنِّي وَجَدْت مِنْ فُلَان رِيح شَرَاب، فَزَعَمَ أَنَّهُ شَرَاب الطِّلَاء، وَأَنَا سَائِل عَمَّا شَرِبَ، فَإِنْ كَانَ يُسْكِر جَلَدْته، فَجَلَدَهُ عُمَر بْن الْخَطَّاب الْحَدّ تَامًّا اِنْتَهَى أَيْ ثَمَانِينَ جَلْدَة. وَفُلَان هُوَ اِبْنه عُبَيْد اللَّه بِضَمِّ الْعَيْن كَمَا فِي الْبُخَارِيّ
وَرَوَاهُ سَعِيد بْن مَنْصُور عَنْ اِبْن عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيّ عَنْ السَّائِب وَسَمَّاهُ عُبَيْد اللَّه وَزَادَ قَالَ اِبْن عُيَيْنَةَ فَأَخْبَرَنِي مَعْمَر عَنْ الزُّهْرِيّ عَنْ السَّائِب قَالَ فَرَأَيْت عُمَر يَجْلِدهُ كَذَا فِي شَرْح الزُّرْقَانِيّ.
وَفِيهِ دَلِيل عَلَى أَنَّ الْمُثَلَّث الْعِنَبِيّ إِذَا أَسْكَرَ يَصِير حَرَامًا قَلِيله وَكَثِيره فِيهِ سَوَاء، وَلِذَلِكَ لَمْ يَسْتَفْصِل عُمَر هَلْ شَرِبَ مِنْهُ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا. قَالَ الْحَافِظ: وَاَلَّذِي أَحَلَّهُ عُمَر مِنْ الطِّلَاء مَا لَمْ يَكُنْ يَبْلُغ حَدّ الْإِسْكَار فَإِذَا بَلَغَ لَمْ يَحِلّ عِنْده اِنْتَهَى.
وَفِي الْمُحَلَّى شَرْح الْمُوَطَّأ وَفِي رِوَايَة مَحْمُود بْن لَبِيد عَنْ عُمَر دَلَالَة عَلَى حِلّ الْمُثَلَّث الْعِنَبِيّ لِأَنَّهُ فِي تِلْكَ الْحَالَة غَالِبًا لَا يُسْكِر، فَإِنْ كَانَ يُسْكِر حَرُمَ، وَعَلَى ذَلِكَ يُحْمَل الطِّلَاء الَّذِي حَدّ عُمَر شَارِبه اِنْتَهَى.
وَالْحَاصِل أَنَّ الطِّلَاء لَا يُسْكِر إِنْ اِشْتَدَّ وَأَحْيَانًا يُخَدِّر، وَعُمَر رَضِيَ اللَّه عَنْهُ شَرِبَ الطِّلَاء وَأَمَرَ النَّاس بِشُرْبِهِ مَا لَمْ يَكُنْ يَبْلُغ حَدّ الْإِسْكَار، فَلَمَّا بَلَغَ حَدّ الْإِسْكَار ضَرَبَ الْحَدّ لِشَارِبِهِ لِكَوْنِهِ شَارِبًا لِلْمُسْكِرِ، وَأَمَّا مَنْ خَدِرَ بِشُرْبِهِ فَمَا قَالَ لَهُ عُمَر شَيْئًا لِلْفَرْقِ عِنْده بَيْن الْمُسْكِر وَالْمُخَدِّر وَإِنْ كَانَ عِنْده شَيْء وَاحِد لَضَرَبَ الْحَدّ عَلَى شَارِب الْمُخَدِّر كَمَا ضَرَبَ الْحَدّ عَلَى شَارِب الْمُسْكِر وَاَللَّه أَعْلَمُ وَعِلْمه أَتَمُّ.
وَأَمَّا الْكَلَام عَلَى الزَّعْفَرَان وَالْعَنْبَر خُصُوصًا عَلَى طَرِيق الطِّبّ فَأَقُول: إِنَّ كَيْفِيَّات الْأَدْوِيَة وَأَفْعَالهَا وَخَوَاصّهَا لَا تَثْبُت عَلَى بَدَن الْإِنْسَان بِبُرْهَانٍ إِنِّيّ وَلَا بِبُرْهَانٍ لَمِّيّ بَلْ تَثْبُت أَفْعَالهَا وَخَوَاصّهَا بِالتَّجَارِبِ، وَقَدْ ثَبَتَ بِالتَّجْرِبَةِ أَنَّ الْعَنْبَر يُقَوِّي الْحَوَاسّ وَأَمَّا سَائِر الْأَشْيَاء الْمُسْكِرَة فَيَنْتَشِر فِي الْحَوَاسّ فَالْقَوْل بِسُكْرِ الْعَنْبَر مِنْ عَجَب الْعُجَاب، وَمِنْ أَبَاطِيل الْأَقْوَال وَمُخَالِف لِكَلَامِ الْقُدَمَاء الْأَطِبَّاء بِأَسْرِهَا، فَإِنَّ وَاحِدًا مِنْهُمْ مَا ذَهَبَ إِلَى سُكْره.
قَالَ الشَّيْخ فِي الْقَانُون: عَنْبَر يَنْفَع الدِّمَاغ وَالْحَوَاسّ وَيَنْفَع الْقَلْب جِدًّا. اِنْتَهَى مُخْتَصَرًا. =
نام کتاب : الحسبة لابن تيمية - ت الشحود نویسنده : ابن تيمية    جلد : 1  صفحه : 382
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست