أما الدليل الثاني: فحديث عمرو بن حزم، وهو حديث تلقته الأمة بالقبول كما صرح بذلك الأئمة كالحافظ ابن عبد البر، وشيخ الإسلام ابن تيمية، والإمام ابن القيم، وغيرهم رحمهم الله، وهو كتاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأهل اليمن وفيه: [أَنْ لا يمس القرآنَ إلا طاهر] وقوله: [إلا طَاهِر] أي متوضئ، فدل على إشتراط الطهارة لمس المصحف، وقد اعترض على هذا الإستدلال بأن قوله: [إلا طاهر] يعنى به المسلم أي: أنه مسلم، وليس بمشرك، وهذا الإعتراض مردود، لأنهم فهموا من قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [إن المؤمن لا ينجس] أن الكافر هو النجس، فهو الذي يوصف بكونه غير متطهر، فيكون قوله: [إلا طاهِر] المراد به تحريم مسِّ الكافر للقرآن، وهذا غير صحيح، لأن الشرع دلّ على وصف المسلم بكونه على غير طهارة كما في قوله سبحانه: {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ}، وقوله عليه الصلاة والسلام لأم سلمة رضي الله عنها: [ثم تُفيضينَ الماء على جَسدك فإذَا أَنتِ قَدْ طَهرت]، وهذان النصان يدلان على أن الطهارة منتفية عن الجنب المسلم، وأنه بفعلها صار متطهراً، فدل على جواز وصفه بكونه على غير طهارة، وأن نفي الطهارة وإثباتها جائز في حقِّ المسلم، وقد جاء هذا صريحاً في قوله عليه الصلاة والسلام: [إِني كُنْتُ عَلى غيرِ طَهارة] فإذا تبين أنه لا تلازم بين الوصف بالنجاسة، والوصف بغير الطهارة، وعليه فيكون الإعتراض على حديثنا بحديث أبي هريرة مردوداً بثبوت السنة بجواز وصف المسلم بكونه على غير طهارة، فيكون قوله: [إلا طاهر] المراد به المسلم المتطهر، دون من كان عليه حدث.