إذًا الفاء هذه الواقعة هنا على جهة الوجوب.
(وبَعْدُ) أي: وبعد ما تقدم أو بعد البسملة والتبارك والصلاة والسلام فهذه ولذلك قيل: بعد مبنية على الضم لماذا؟
لأنه حُذف المضاف إليه ونُوِيَ معناه، وبعد هذه لها أربعة أحوال:
تكون معربة في ثلاثة أحوال، وتكون مبنية في حالة واحدة وهي فيما إذا حذف المضاف إليه ونُوِيَ معناه {غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ} [الروم: 2، 3] {لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ} [الرم: 4] يعني: من قبل الغلب ومن بعده.
(وبَعْدُ) نقول: هذا ظرف مبهم لا يفهم معناه إلا بالإضافة لغيره فلذلك صار من الأسماء الملازمة للإضافة، ويستعمل ظرف زمان كثيرًا وظرف مكان قليل وبعضهم منع الثاني فلزم عنه حينئذ عنده أن يستعمل ماذا؟ ظرف زمان كثير يعني أما بعد وآله وصحبه وبعد، يعني من حيث اعتبار أن النطق أو زمن النطق بما بعدها بعد زمن النطق بما قبلها وهذا لا شك فيه أن المنطوق به النطق بما بعد بَعد لا شك أنه متراخي عما قبل بعد أو باحتمال الرسم في الكتابة فلا شك أن ما بعد بَعد هذا متراخٍ عما قبل بعد فحينئذٍ قد تكون بعد هنا للزمان وقد تكون للمكان والأشهر وهو الأول، (فَهَذِهِ) الفاء واقعة في جواب الشرط هذه المشار إليه هنا المرتب الحاضر في الذهن مطلقًا والمشهور عند المتأخرين أن المشار إليه قد يكون موجودًا وقد يكون معدومًا، إن كان الخطبة بعد إنهاء النظم كاملاً فحينئذٍ المشار إليه يكون موجودًا لأنه يحتمل ماذا؟
يحتمل أنه كتب المقدمة باب حد التفسير إلى آخر النظم ثم جاء فكتب المفدمة فحينئذٍ فهذه المشار إليه يكون ماذا؟ يكون موجودًا، ويحتمل أنه ابتدأ الكتاب هكذا المقدمة أولاً ثم بعد ذلك باب حد التفسير .. إلى آخره (فهذه) أي المنظومة مثلاً أو المسائل موجودة أو معدومة، معدومة فكيف أشار إلى معدوم والأصل في الإشارة الحسية أن تكون لشيء موجود، قالوا: تنزيلاً للحاضر في الذهن منزلة الموجود لما قَوِيَ العزم واشتدت الإرادة وكمل المصنف في ذهنه أشار إليه كأنه موجود نزله منزلة الموجود فعامله معاملة المحسوس هكذا قيل، ولكن الأصح أن المشار إليه مطلقًا معنى أمر عقلي لماذا؟ لأن الألفاظ سواءٌ تقدمت على الديباجة أم تأخرت لا وجود في الخارج لأنه إذا نطق فقال: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، أما بعد.
فهذا أين المشار إليه؟ أين الوجود للألفاظ هذه؟ لا وجود لها ليست قائمة بنفسها حتى يشار إليها، وإنما هي أمور معنوية.