نام کتاب : نظرات في كتاب الله نویسنده : حسن البنا جلد : 1 صفحه : 142
ربوبية رحمة وإحسان، ليعلموا أن هذه الصفة هى التى ربما يرجع إليها معنى الصفات، فيقبلوا على اكتساب مرضاته منشرحة صدورهم، مطمئنة قلوبهم. لا ينافى عموم الرحمة وسبقها ما شرعه الله من العقوبات فى الدنيا وما أعده من العذاب فى الآخرة للذين يتعدون الحدود وينتهكون الحرمات، فإنه وإن سمى قهرا بالنسبة لصورته ومظهره فهو فى حقيقته وغايته من الرحمة. لأن فيه تربية للناس وزجرا لهم عن الوقوع فيما يخرج عن حدود الشريعة الإلهية وفى الانحراف عنها شقاؤهم وبلاؤهم، وفى الوقوف عندها سعادتهم ونعيمهم، والوالد الرءوف يربى ولده بالترغيب فيما ينفعه والإحسان إليه إذا قام به، وربما لجأ إلى الترهيب والعقوبة إذا اقتضت ذلك الحال ولله المثل الأعلى لا إله إلا هو وإليه يرجعون [1].
(مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) قرئ: مالك وملك [2]. ولكلّ من القراءتين شواهد فى كتاب الله، يشهد للأولى قوله تعالى: يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ [الانفطار: 19] ويشهد للثانية قوله تعالى: لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ [غافر: 16].
والدين: الحساب، والمكافأة، والجزاء. وهو أنسب المعانى فى الآية الكريمة. ويوم الدين هو يوم البعث الأكبر للحساب والجزاء يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً [آل عمران: 30]، ولما كانت الرحمة ليست السبيل الوحيد إلى التربية، بل لا بد معها من الجزاء حتى يجتمع الترهيب إلى الترغيب ناسب أن يذكر الله خلقه بدقيق محاسبته بعد أن ذكرهم بمظاهر رحمته حتى يتمثلوا دائما: أن رب العالمين؛ الرحمن الرحيم، هو: مالك يوم الدين، كذلك الذى سيحاسبهم ويدينهم بما يفعلون. و (البرّ لا يبلى، والذّنب لا ينسى، والديّان لا يموت. [1] انظر: تفسير المنار (1/ 51). [2] كلتا القراءتين وردتا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. يراجع فى ذلك:" المصاحف" لابن أبى داود (1/ 368 - 374)، وانظر:" حجة القراءات" لأبى زرعة بن زنجلة ص 77 - 79، و" التبصرة" لمكى بن أبى طالب ص 250.
نام کتاب : نظرات في كتاب الله نویسنده : حسن البنا جلد : 1 صفحه : 142