لذاته، وإنمَّا لمِاَ يلحقه من الأغراض، ونقل الحافظ في الفتح عن الخطابي أنه قال: " البيان اثنان: أحدهما ما تقع به الإبانة عن المراد بأي وجه كان، والآخر ما دخلته الصنعة بحيث يروق للسامعين، ويستميل قلوبهم، وهو الذي يشبه بالسحر إذا خلَب القلب، وغلب على النفس، حتى يحوِّل الشيءَ عن حقيقته، ويصرفَه عن جهته، فيلوحَ للناظر في معرض غيره، وهذا إذا صَرف إلى الحق يمدح، وإذا صَرف إلى الباطل يذم، قال: فعلى هذا، فالذي يشبه بالسحر منه هو المذموم " ا?.
قال الحافظ:" وقد حمل بعضهم الحديث على المدح، والحث على تحسين الكلام، وتحبير الألفاظ … وحمله بعضهم على الذم لمن تصنع في الكلام، وتكلفه لتحسينه، وصرَف الشيء عن ظاهره، فشُبِّه بالسحر الذي هو تخييل لغير حقيقة" [1] . وقال صعصعة بن صوحان عن هذا الحديث:" صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجل يكون عليه الحق، وهو ألحنُ بالحجة من صاحب الحق، فيسحرُ الناس ببيانه، فيذهبُ بالحق " [2] .
قال الحافظ: "وحمل الحديث على هذا صحيح، لكن لا يمنع حملَه على المعنى الآخر إذا كان في تزيين الحق، وبهذا جزم ابن العربي وغيره من فضلاء المالكية، وقال ابن بطال: أحسن ما يقال في هذا، أن هذا الحديث ليس ذما للبيان كله ولا مدحا، لقوله: " من البيان " فأَتى بلفظة " مِنْ " التي للتبعيض، [1] الفتح 10/ 248. [2] الفتح 9/109 – وانظر مقالة صعصعة بن صوحان في أبي داود – في الأدب – حديث – 5012.