وكان هذا يوم جمعة في وقفته - صلى الله عليه وسلم - ولم يُصَلِّ الجمعة؛ لأن المسافر لا يصلي الجمعة، وهذا باتفاق العلماء، بل لو صلى الإنسان الجمعة وهو مسافر فإنها لا تصح منه، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد» [1] لكن إذا كان المسافر نازلًا ببلد وسمع أذان الجمعة فهل يلزمه أم لا؟
وقبل الشروع في هذه المسألة أقول أن المسافر له حالتان:
الأولى: حال استقلال بجماعة المسافرين وانفصاله عن البلد.
الثانية: حال استقرار في بلد لا يقطع حكم السفر.
ففي الصورة الأولى:
هل تجب الجمعة على المسافرين وحدهم؟
والجواب: يقال إن الجمعة لا تجب عل المسافرين بل لوصلوها جمعة لا تصح منهم، والدليل على ذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سافر أسفارًا كثيرة في حياته - صلى الله عليه وسلم -، ولم ينقل عنه حرف واحد أنه جمع بأصحابه، وقد صادفته الجمعة في أسفاره كثيرًا، ولو صلى الجمعة في أسفاره لكانت الهمم متوافرة على نقل ذلك.
ولا أدل على ذلك من سفره لحجه - صلى الله عليه وسلم - فقد وافق يوم عرفه يوم الجمعة، ومع ذلك فقد صلى الظهر والعصر جمعًا وقصرًا، وقد سماها جابر الظهر كما في صحيح مسلم (1218)، ولم يجهر بالقراءة، وأيضًا خطب قبل الأذان خطبة واحدة، ثم أذن وصلى وهذا العلم به ظاهر لأهل العلم لا يكادون يختلفون في ذلك [2].
وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - «من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد». [1] رواه مسلم (1718). [2] انظر الموطأ (1/ 107) ومجموع الفتاوى (17/ 480) و (24/ 177) ما بعدها (مهم جدًّا) و (ج/16) من فتاوى ابن عثيمين.