من الأحوال، فكان ارتكاب ما هو موجود خيرًا من ارتكاب ما هو مفقود وليس بموجود.
والمثال الثاني: نحو: فيها قائمًا رجل، لما كان المتكلم بيْن أن يرفع قائمًا فيقول: فيها قائم رجل، فيجعل اسم الفاعل صفة متقدمة على موصوفها، وهذا لا يكون بحال من الأحوال، وبين أن ينصبه فيقول: فيها قائمًا رجل، فيجعل قائمًا حالًا من النكرة، وذلك مع قلته جائز. لما كان المتكلم لا بد من ارتكابه أمرًا من هذين الأمرين حمل المسألة على الحال فنصب، وإنما لم يجز أن تتقدم الصفة على الموصوف لأن الصفة لا تكون إلا تابعة، والتابع لا يتقدم على المتبوع، ولأن الصفة تجري مجرى الصلة في الإيضاح؛ فلا يجوز تقديمها على الموصوف، كما لا يجوز تقديم الصلة على الموصول، وإنما كان الأمر الأخير وهو جعل الصفة المتقدمة على موصوفها النكرة حالًا من النكرة قليل الورود؛ لأن أصل صاحب الحال أن يكون معرفة؛ لأنه محكوم عليه بالحال، وحق المحكوم عليه أن يكون معرفة؛ لأن الحكم على المجهول لا يفيد غالبًا، إذ للحال شبه بالخبر، ولصاحبها شبه بالمبتدأ، ومن هنا لم يكن صاحب الحال نكرة إلا بمسوغ يُقربه من المعرفة، كما لم يكن المبتدأ نكرة إلا بمسوغ.
ومن مسوغات تنكير صاحب الحال تقديم الحال عليه كالمثال المذكور، وقد أشار سيبويه في (الكتاب) إلى ذلك فقال: "هذا باب ما ينتصب، لأنه قبيح أن يوصف بما بعده، ويبنى على ما قبله، وذلك قولك: هذا قائمًا رجل، وفيها قائمًا رجل، لَما لم يجز أن توصف الصفة بالاسم، وقبح أن تقول: فيها قائم، فتضع الصفة موضع الاسم، كما قبح: مررت بقائم، وأتاني قائم؛ جعلت القائم حالًا، وكان المبني على الكلام ما بعده. ولو حسن أن تقول: فيها قائم؛ لجاز: فيها