فظاهر النص الأخير يتعارض مع ما ورد في النص الأول، إذ النص الأخير يدل بظاهره على نسبة النصب للفعل المضارع إلى حتى، من غير إشارة إلى "أنْ" من قريب أو من بعيد، غير أن الأمر كما أوضح ابن جني أنه قد تكرر من قول سيبويه أن حتى من حروف الجر، وهذا نافٍ لكونها ناصبة للفعل المضارع من حيث كانت عوامل الأسماء لا تُباشر الأفعال، فضلًا عن أن تعمل فيها، كما استقر من قوله في غير موضع: "ذكر عدة الحروف الناصبة للفعل"، وليست فيها حتى، فعُلم بذلك وبنصه على أن أنْ هي الناصبة مضمرة بعد حتى أن المذهب والأجرى على قوانينه، أن حتى من حروف الجر، وأن الناصب بعدها أنْ مضمرة وجوبًا. ومن هنا فقد حرص ابن جني على إزالة هذا التعارض الظاهر بين القولين بتأويل القول الثاني فقال: "ووجه القول في الجمع بين القولين بالتأويل أن الفعل لما انتصب بعد حتى، ولم تظهر هناك أنْ، وصارت حتى عوضًا منها ونائبة عنها؛ نسب -أي: سيبويه- النصب إلى حتى، وإن كان في الحقيقة لـ: أنْ" انتهى.
الحكم إن لم يمكن التأويل
إذا تعذر الأخذ بأحد القولين المرسلين المتعارضين لعدم إمكان الرجوع عن الآخر بضرب من التجوز والتأويل، فإن نص العالم في أحدهما عن الرجوع عن الآخر؛ عُلم بذلك أن رأيه مستقر على ما أثبته ولم ينفيه، وأن القول الآخر مطرح متروك، لا يُنسب إليه بعد رجوعها، قال ابن جني: "ومن ذلك أن يرد اللفظان عن العالم متضادين، غير أنه نص في أحدهما على الرجوع عن القول الآخر؛ فيُعلم بذلك أن رأيه مستقر على ما أثبته ولم ينفِهِ، وأن القول الآخر