أسأل الله توليتك أن يكون ولي لك وهذا فيه ملحظ إلى قوله تعالى: {اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ} قال ولي: {اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ} الولي فعيل بمعنى فاعل، ولي مأخوذ من الولاية وهي النصرة، قال الخطابي ـ رحمه الله ـ الولي: الناصر ينصر عباده المؤمنين كما قال تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ} قال ابن جرير: في تفسير آية البقرة: يعني جل ثناؤه بقوله: {اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ} نصيرهم وظهيرهم ويتولاهم بعونه وتوفيقه. {اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ} في الدنيا والآخرة. يتولاه في الدنيا بماذا؟ بهدايته أولاً، أولاً بإيجاده وخلقه ثم بهدايته إلى طريق حق مستقيم الإسلام الصحيح الثابت ثم يتولاه بأن يثبته على ذلك ثم يتولاه بأن يميته على الحق لأنه ليس كل من كان على الحق يموت عليه، لذلك التوفيق قال ابن القيم ـ رحمه الله تعالى ـ: فقد أجمع العلماء لله على أن التوفيق أن لا يكل الله العبد إلى نفسه يعني إلى هواه وشهواته لأن الأصل في الإنسان إنه كان ظلومًا جهولاً فإذا تُرك الإنسان دون أن يعينه الله عز وجل على نفسه وعلى هواه وعلى شيطانه شيطان الإنس والجن. فحينئذ يُترك لنفسه فتعبث به مطيعة لشيطان الإنس والجن فإذا لم يكله الله تعالى بل تكفل بحفظه ورعايته وهدايته حينئذ نقول هذا رجل موفق، والتوفيق هو ما ذكرناه وإن لم يكن كذلك فهذا خذلان فقد أجمع أهل العلم على أن الخذلان أن يخلي بينه وبين نفسه يكون مطيعًا لنفسه تابعًا لهواه مؤثرًا هواه على الحق. نقول هذا مخذول وذاك موفق حينئذ الولاية تكون في الدنيا بما ذكرناه وتكون في الآخرة .... .في الآخرة تكون بماذا؟ بأن يحفظه من الأهوال التي ترعب القلب وأن يتمم له النعمة بدخوله الجنة وأن يكون خالدًا مخلدًا فيها ـــــــــــــــ نهاية الوجه الأول من الشريط
[أَنْ يَتَوَلاكَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ] الدنيا ظرف محلٌ للولاية والنصرة والهداية للتوفيق وكذلك الآخرة ظرف للولاية والنصرة والتوفيق والهداية والدنيا نقيض الآخرة، وقد تنوّن (دُنًا) هذا جمعٌ لها، والآخرة دار البقاء ولذلك سميت الآخرة آخرة لماذا؟ لأنه لا شيء بعدها، وسميت الدنيا دنيا قيل لدنائتها، وقيل مأخوذ من الدنو وهو القرب قرب الأجل، الدنيا قصيرة لذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: " بعثت أنا والساعة كهاتين " فهو عليه الصلاة والسلام علامة من علامات الساعة.
ثم قال: [وَأَنْ يَجْعَلَكَ مُبَارَكًا أَيْنَمَا كُنْتَ،] وهذا فيه اقتباس من قوله: {وجعلني مبارك أينما كنت} على لسان عيسى - عليه السلام -[وَأَنْ يَجْعَلَكَ] هذا أن وما دخلت عليه في تأويل مصدر معطوف على قوله يتولاك، ويجعل هنا بمعنى يصيِّرك لأن جعل تأتي بمعنى التفسير
والتي كصيَّر أيضًا بها ... اسم مبتدا وخبرا