حينئذ قلنا لابد أن يكون عن يدٍ لأن أصل وضعه في لسان العرب هو في مقابة النعمة، ولم يرد شكرنا زيدًا على كومه مثلاً ها لا شكرنا زيدًا على جماله أو شكرنا جمال زيد لماذا؟ لأن الجمال ليس بنعمة متعدية للخلق فكل ما يتعلق به الشكر يتعلق به الحمد من غير عكس وكل ما يقع به الحمد يقع به الشكر من غير عكس فإن الشكر يقع بالجوارح، والحمد يقع باللسان، هذا حقيقة الشكر في لسان العرب وفي الشرع وقواعده الخمس التي ينبغي ملاحظتها، والشكر منزلة عظيمة في الدين ولذلك قال ابن القيم: وهي من أعلى المنازل وهي فوق الرضا وزيادة. الرضا بالله وعن الله، الشكر اعظم منها فالرضا مندرج في الشكر إذ يستحيل وجود الشكر بدونه، كيف يشكر ويعترف بالنعمة إذا لم يكن راضيًا. الذي لا يرضى يكفر أو يشكر؟ الأولى يكفر ولا يشكر لماذا؟ لنه لم يرض نعمة الله لم يتقبلها فإذا كان كذلك حينئذ كيف يخضع، وكيف يحب، وكيف يثني؟ لا يثني بما لا يحب حينئذ صار الرضا أدنى منزلة من الشكر.
لأن الشكر يندرج فيه الرضا من غير عكس إذا يستحيل وجود الشكر بدونه، وهو نصف الإيمان، والإيمان نصفان: نصف شكر، ونصف صبرٌ، وقد أمر الله به ونهى عن ضده، وهذا دليل على أنه عباده، وأثنى على أهله، وأوصى به خواص خلقه، وجعله غاية خلقه وأمره ووعد أهله بأحسن جزاءه، وجعله سببًا للمزيد من فضله وحارسًا وحافظًا لنعمته فأخبر بأن أهله هم المنتفعون بآياته واشتق لهم اسمًا من أسمائه الغفور الشكور، والشكور هذا اسم من أسماء الله جل وعلا إذن: إذا أُعطي لا يقابل هذا العطاء وإن قل بالكفر، وإنما يقابله بماذا؟ بالشكر فإذا قابل العطاء مطلقًا وإن قل بالشكر. فحينئذ قد اندرج في وصف السعداء في الدنيا والآخرة وإذا انتفى عنه الشكر حينئذ قد اتخذ سبيل الأشقياء في الدنيا ويخشى عليه ذلك في الآخرة.